ورقة متأخرة إلى شرم الشيخ - إبراهيم محمد إبراهيم

" قالتِ الأَعرابُ آمَنَّا " ..
فما باعوا مطاياهُم
وماشَدُّوا على الجوعِ حِزاما.
وهوى النَّجمُ،
فما أغْروهُ بالمُكثِ
وماهَبُّوا من السَّهْلِ ،
إذْ انهارَ بنا الطَّوْدُ قياما.
ودعا الدّاعي ،
فكانوا آخِرَ الرَّكْبِ
وراءً وأماما.
أيُّها الحادي،
أما في الأُفْقِ بَرْقٌ،
يَقْدَحُ الكَوْنَ دَوِيَّاً وغَماما ؟
خَيَّمَ اللَّيلُ،
فكُنَّا صَمْتَهُ المُطْبِقَ
إلا صَرْخةً تَذْوي بأوْداجِ الثَّكالى
وبقايا غُصَّةٍ تحبو على القَلْبِ
ونَفْساً فاتَها الدَّهْرُ عِظاما.
أيها الحادي،
إذا ما أُتْخِمَ الرّملُ بأحلامِ الطواويسِ
وغَصّ العُشْبُ بالدَمْعِ ،
فأيُّ اللَّحْنِ يُنْجيكَ من الرّومِ ؟
وأي الصّمتِ يَحْميكَ من الرَّملِ ؟
وإن كُنْتَ تناهَيتَ حنيناً وهُياما.
قَدَرُ اللهِ ،
بأن تسْكُنَ كالرِّيحِ
" بِوادٍ غيرِ ذي زَرْعٍ "
بِقَلْبٍ يافِعٍ يهْفو إلى القطْرِ
لِتَنْمو بينَ جَدْبينِ
يسومانِكَ كِفْلَيْنِ من القَحْطِ
لِما أعْلَنْتَ في الأعرابِ
لَمَّا آثَرَ الجهلَ أبو جهلٍ
وآثَرتَ البواريدَ
وأرْخيتَ إلى اللهِ الخِطاما.
كُلُّنا حادٍ،
دعِ النَّخلةَ تُلقي ظِلَّها الوارِفَ في القَلْبِ
فإناَّ أٌمَّةٌ، تَمْتَدُّ كالظِّل
إذا مالَ بها الوَقْتُ
وكالنَّخْلةِ ،
لاتَطْرَبُ إلا تَحْتَ جَمْرِ القَيظِ
إنَّا أُمَّةٌ، تَغْسِلُ بالموتِ خطاياها
ولاتُذْعِنُ ،
مهما كانَ شَرْمُ الشَّيْخِ رومِيّاً ..
دَعِ النَخْلَةَ تُلْقي ظِلَّها الوارِفَ
أَكْفاناً على القُدْسِ
فَقَدْ ألَْقَيْتُ روحي قبْلَها في النِّيلِ،
واخْتَرْتُ من الحورِ اللَّواتي
مَسَّهُنَ الضُّرُّ في الأرْضِ
وما ساوَمْنَ في حَبَّةِ قَمْحٍ.
كُلُّنا حادٍ،
وهذا اللَّحْنُ لا يَفْتُرُ
مَهْما فَتَكَ الثَلْجُ بِأقْدامِ مطايانا
فَنَيْنا فيهِ أَنْغاماً
وأَفْنَيْنا فُصولاً لا تَفي بالعَهْدِ
حتَّى ضَحِكَ الوَرْدُ
فَكُنَّا لَونَهُ الزَّاهي.
أَتَيْنا من لَهيبِ الوَقْتِ
نَجْتَرُّ مَرايانا بِلا وَجْهٍ
تَوَحَّدْنا بِهِ،
بَعْدَ نُضوجِ اللَّوْزِ،
صِرْنا وَجْهَهُ الباهي.
أتَيْنا
كَيْ نُعيدَ الزَّيْتَ للزَّيْتونِ
قَبْلَ القَطْفَةِ الأولى.
وَنُلْقِي جَمْرةَ اللهِ
على الأَرْضِ
لَقَدْ ضاقَ بِنا الكَوْنُ
ومازِلْنا نُغَنِّي عَوْدَةَ الطَّيْرِ
الذِّي يأْكُلُهُ المَنْفَى ..
شَرِبنا البَحْرَمرَّاتٍ
على بوَّابةِ النّهْرِ
فَما قَرَّبَنا المِلْحُ
إلى اللاّةِ ولا العُزَّى،
ولَمَّا اسْوَدّ وَجْهُ العُرْبِ
صِرْنا صَفْحَةً سَوْداءَ
في إضْبارَةِ الدَّهرِ.
أَجَلْ إنَّا نُحِبُّ المَوْتَ،
حتَّى تَطْفَحَ البِئْرُ بِما فيها ...
وتُلْقَى رايةُ الأَعْرابِ
والحاخامُ في البِئْرِ.
أَجَلْ إنَّا نُحِبُّ المَوْتَ،
حتَّى تَرْتَوي الأَحْجارُ
بينَ القبْرِ والقَبْرِ.
أَجَلْ إنَّا نُحِبُّ المَوْتَ
في الإصْباحِ والإمْساءِ والفَجْرِ.
نُحِبُّ المَوْتَ،
مَهْما قالتِ الأعْرابُ آمنَّا
بِفَتْحِ البابِ
للخَفَّاشِ والعَنْقاءِ والنَسْرِ.