على بُعدِ شاطئين - جمال مرسي

رِمَالٌ و شُطآنٌ يُدَاعِبُهَا بَحرُ
تَلاقَى عَلَى أَمواجِهِ الحُسْنُ و السِّحرُ

يَنَامُ عَلَى كَفَّيهِ..إنْ يَهدأِ..الدُّجَى
و يَصحُو عَلَى عَينَيهِ..إنْ يَهدِرِ..الفَجرُ

و يَهمِسُ فِي أُذْنَيهِ نَخلٌ مُؤَثَّلٌ
فَيُصغِي ، كَطِفلٍ جَاءَهُ مِن أَبٍ أَمرُ

و فِي أُفْقِهِ المُندَاحِ تَلهُو نَوَارِسٌ
يُقَرِّبها مَدٌّ ، و يُبعِدُها جَزْرُ

هُنَا ، فِي فَرَادِيسِ الوَضَاءَةِ حَلَّقَت
فَرَاشَاتُ ذِكراكَ الوَضِيئَةِ يا بَدرُ

عَلىَ مَقعَدِ الذِّكرَى تَرُوحُ و تَغتَدِي
و فِي مَرفَأِ الأَحلامِ يَرتَحِلُ العُمرُ

هُنَا ، حَيثُ كَانَ البَحرُ شَاهِدَ حُبِّنَا
عَلَى رَملِهِ الفِضِّيِّ أَحلامُنَا قَصرُ

تُسائِلُنِي ذَاتُ الحِجَابِ ، ومَكرُهَا
عَلَى وَجهِهَا بَادٍ ، و فِي عَينِهَا سِرُّ

أَرَاكَ أَسِيراً لِلعُيُونِ و سِحرِهَا
فَهَل طَابَ لِلمَأسُورِ فِي أَسْرِهَا أَسرُ ؟

فَقُلتُ : و قَلبِي غَارِقٌ فِي أَرِيجِهَا
هُوَ الشِّعرُ يَا مَولاةَ قَلبِي ، هُوَ الشِّعرُ

إذا زَارَنِي شَيطَانُهُ ، خِلتُ أَنَّنِي
أَمِيرٌ ، خُيُولِي فِي الهَوَى الصِّدقُ والفِكرُ

تُسَيِّرُهَا نَحوَ الخَيَالِ صَبَابَتِي
و قَلبِي لَهَا مَرعَىً ، و عَيْنِي لَهَا نَهرُ

و إنْ غَابَ عَنِّي الوَحيُ عِشتُ كَأَنَّنِي
عَلَى هَامِشِ الأَرقَامِ لا شَيءَ أو صِفرُ

هُوَ الشِّعرُ تَزهُو فِي عُرُوقِي حُرُوفُهُ
كَمَا فِي عُرُوقِ الأَرضِ يَلتَمِعُ التِّبرُ

أُغَذِّيهِ مِن رُوحِي ، و أَسقِيهِ مِن دَمِي
فَلا تَعذُلِي شِعراً ، لِجَدبِي هُوَ القَطرُ

و لا تَمنَحِي الوَاشِينَ سَمعاً ، فَإِنَّنِي
عَلَى عَهدِنَا بَاقٍ ، و إنْ رَاقَكِ الهَجرُ

و قُولِي : أَنَا بَدءٌ لَدَيهِ و مُنتَهَى
فَمَا كَانَ إلا أَنتِ ..يا أنتِ .. لا غَيرُ

يُشَاطِرُكِ الصَّدرَ الرَحِيبَ عُرُوبَةٌ
وَهَبتُكُمَا إيَّاهُ ، لَم يَشتَكِ الصَّدرُ

هُنَا كَم بَكَت بَغدَادُ فِيهِ ، فَكَفكَفَتْ
يَدَاكِ دُمُوعاً ( مِن خَلائِقِهَا الكِبرُ )

و كَم كَانَ للأَقصَى نَصِيبٌ بِخَافِقِي
و يَا كَم ثَوَت فِي عُمقِ أَعمَاقِهِ مِصرُ

تَغَرَّبتُ عَنهَا مُنذُ عِشرِينَ حِجَّةً
فَلَم يَكُ إلا أَنتِ سَلوَايَ و الصَّبرُ

أَرَى النِّيلَ فِي عَينَيكِ يُخفِي دُمُوعَهُ
و عَينُكِ لا تُخفِي دُمُوعاً ، هِيَ الدُّرُّ

تَسِيلُ عَلَى الخَدَّينِ تَروِي حِكَايَةً
تُخَبِّؤُهَا الأَصدَافُ ، يفضَحُها الثَّغرُ

و يَرفَعُهَا مَوجٌ ، فَتَرقَى إلى الذُّرى
و يَخفِضُهَا مَوجٌ ، فَيَستُرُهَا بَحرُ

هُوَ البَحرُ سِترِي إنْ تَعَرَّيتُ عِندَهُ
هُوَ البَحرُ خَمرِي إِن تَلَذُّ لِيَ الخَمرُ

هو البَحرُ سِفرِي مُذ قَرَأتُ سُطُورَهُ
وَدَدتُ لَو اْنِّي فِي كِتابِ الوَفَا سَطرُ

فَيَا سَيِّدَ الأَموَاهِ : رِفقاً بِمَركبِي
إِليهَا ، فَمَا عَهدِي بِأَموَاجِكَ الغَدرُ

إلى أَرضِها خُذنِي،فَقَد هَدَّنِي النَّوَى
و فِي حِضنِهَا دَعنِي، فَفِي حِضنِهَا الطُّهرُ

فَإنْ عِشتُ بَعدَ اليَومِ ، بَيتِي ضُلُوعُهَا
و إِن مِتُّ مِثلَ الآن ،عَلياؤُهَا القَبرُ