لا تسألي - جمال مرسي

لا تسألي عن حُبِّنا كيفَ ابتدا
أو كيفَ سَافَرَ نُورهُ عبرَ المَدى

لا تشغلي بالفِكرِ عقلاً ، لو قضى
عُمراً يُفَتِّشُ عن جَوابٍ ما اهتدى

لو يُسأَلُ العُشَّاقُ عن تَفسِيرِهِ
ضاعَ السُّؤالُ .. بلا إجاباتٍٍ .. سُدى

هل تُسألُ الشَّمسُ البَتُولُ عن الضِّيا
أو يُسألُ الزَّهرُ النَدِيُّ عن النَّدى ؟

أو يُسألُ العُصفُورُ عن تَغريدِهِ
أو يُسألُ اللحنُ الشجيُّ عن الصَّدى ؟

هُوَ خَفقةٌ في القلبِ يَعرفُ كُنهَهَا
من لامَسَت مِنهُ الشَّغافَ فَغَرَّدا

هُوَ رِعشَةٌ تَسرِي بِجسمِ مُتَيَّمٍ
ثَارَ الفؤادُ بِسَرْيِهَا ، فتمرَّدا

هُوَ كِلْمةٌ لو قالها ، تَرَكَت لَهُ
في هدأةِ الليلاتِ جَفناً مُسهَدا

هُوَ رِبقَةُ القيدِ الذي لو ذَاقَهُ
صَبٌّ ، تمنَّى أن يَظَلَّ مُقيَّدا

هو عُودُ " زِريابٍ " على أوتاره
عَزَفَ المُحِبُّ لُحونَهُ أو أنشدا

الحُبُّ بيتُ العاشقينَ ، فهل يُرى
للعاشقينَ سِواهُ بيتاً شُيِّدا ؟

لَبِنَاتُهُ وَلَهٌ و حُرقَةُ مُدنَفٍ
هَيهَاتَ دُونَ تولُّهٍ أن يُوجَدا

من لم يَذُق في الحُبِّ شَهدَ دُمُوعِهِ
كَمَنِ ارتَضَى..و الماءُ يغمرهُ..الصَّدى

يا رَبَّةَ الحُسنِ البَدِيعِ ، تَرَفَّقِي
قلبي لِحَيْرَةِ مَن تَمَنَّاها فِدا

قلبي الذي قد فُتِّحَت أبوابُهُ
لَكِ .. يا غديرَ الحُبِّ .. بعدكِ أُوصدا

فَوَهَبتِهِ من نُورِ عَينِكِ نَظرَةً
و مَدَدتِ في جُنحِ الظَّلامِ له يدا

و جَعَلتِهِ كالنَّسرِ سيِّدَ أفْقِهِ
لمَّا تملَّك عرشَ قَلبِكِ مُفرَدا

أَيُلامُ فيكِ و في صفائك لم تذق
شفتايَ نبعاً رائقاً أو مَوْرِدا ؟

عَينانِ كالبحريْنِ ، يَا لَسَفِينَتِي
غَرَقَت ، فَكَانَت لِي جُفُونُكِ مُنْجِدا

خَدَّانِ مَرويَّانِ مِن نَبعِ الهوى
فَاخضَلَّ وَردُ صِباهُما وتَوَرَّدا

و فَمٌ ، لُماهُ الكَرْزِ يَقطُرُ شَهدُه
إمَّا تَرنَّمَ شَادياً أو جَوَّدا

و الصَّدرُ مِثلُ الجَمرِ تَحتَ رَمَادِهِ
لمَّا نَفَثتُ رِياحَ شَوقِي ، أُوقِدا

داعَبتُهُ بِيَدِ المَشُوقِ ، فَصَدَّهَا
ثُمَّ استَكَانَ لِسِحرِها ، فَتَنَهَّدا

يا لاْقتِدَارِ الحُبِّ مُنذُ عَرَفتُهُ
سَطَّرتُ في سِفرِ الخلودِ المَوْلِدا

طارت إلى جَنَّاتِهِ أَحلامُنَا
فَدعِي طُيُورَ الحُبِّ تَجتازُ المَدَى

لا تسألي ، شَاءَت لَنَا أقدارُنَا
هذا الخُلُودَ ، و إن تَغَشَّانا الرَدَى