دموع ملتهبة - جمال مرسي

* في رثاء قطة البيت الأبيض إنديا
قِف حِداداً
و اسكبِ الدمعَ الغزيرْ .
و انتحبْ حزناً عليها ،
.. لا علينا ..
أيها القِطُّ الغريرْ .
كيف لا تبكي على " إندي "
و قد أسكنتَها عشرينَ عاماً بيتَكَ الأسودَ
حتى أصبحَت فرداً من البيتِ الكبيرْ .
كيف لا تذرفُ دمعاً حارقاً و النارُ في قلبِكَ تغلي
و عيونُ القطَّةِ السوداءِ طيفٌ
أينما سِرتَ يسيرْ .
هل تبلّدتَ شعوراً ؟!
أم تعوَّدتَ على موتِ الضميرْ ؟!
ها هنا كانت " أُنيدي "
تشرب " الدَّمَّ " المُصَفَّى
من يديْ جزارِ أمريكا الخطيرْ.
ها هنا كنتَ تغذِّيها
و كانت .. عنوةً .. تأكل من لحمِ الضحايا
في رُبا بغدادَ
في غزّةَ
في كل الثغورْ .
ها هنا كانت بعينيها ترى
كلَّ الخياناتِ التي دبَّرْتَ سِرّاً و جِهارا
و القراراتِ التي أعلنتَ ليلاً و نهارا
و لَكَم بالت على الأوراقِ في أدراجِ ذاكَ " المستديرْ " .
كيف لا تبكي عليها ؟!
يا غبياً ليس يدري ما الوفاءْ
يا ذليلاً لم يَذُقْ يوماً سوى طعمِ الحذاءْ .
هذه المسكينةُ السوداءُ لا ذنبٌ لها
لمَّا رماها بين كَفَّيْ قاتلٍ
حظٌّ عسيرْ .
كيف لم تستخدمِ "الفيتو" على الموتِ الذي أودى بإندي؟
كيف لم تفرض عقوباتٍ على كلِّ القبورْ ؟
كيف لم تُرسلْ جيوشاً ،
طائراتٍ ،
بارجاتٍ ،
تقصف الجرثومةَ الحمقاءَ قصفاً
قبل أن تسريَ في الجسمِ الصغيرْ ؟
هل تبلَّدْتَ شعوراً ؟!
أم تَعَوَّدْتَ على موتِ الضميرْ ؟!
كيف لا تبكي عليها
و دموعُ الأمِّ " لورا " و ابنتيها
لم تزل تجري على الخدِّ وفاءً ..
و مَعَزَّه .
و دِما " إندى " لديكم ..
يا دعاةَ السِّلمِ أغلى من دِما أطفالِ غَزَّه .
و حياةُ القطةِ السوداءِ أسمى
من معاناةِ الأسيرْ .
و دمارٌ خلَّفَتهُ الآلةُ الحمقاءُ في بغدادَ أوهى
من ليالٍ لم تَذُق " إندُ " الكرى فيها
لأن الخادمَ الكسلانَ قد نامَ
و لم يحفلْ بإعدادِ السَّريرْ .
لم يجهِّزْ رِغوةَ " الشمبو " لإندي
لم يُرشرشْ فوقها أزكى العطورْ .
لم يُفَرِّشْ سِنَّها .. عمداً .. بمعجونِ " الضحايا "
و افترى .. إفكاً و زوراً .. أيَّ زورْ .
قال و الحسرةُ في عينيهِ تبدو :
" إنها فرَّت لبيتِ القطِّ " مور " .
كيف لم تجتث رأسَ الخادمِ الكسلانِ
مثل آلافِ الضحايا
كيف من أجلِ " أُنيدي " لا تثورْ ؟
هل تبلَّدتَ شعوراً ؟!
أم تعوَّدتَ على موتِ الضميرْ ؟!
ماتت المسكينةُ السوداءُ قهراً
لم تُرِد عيشاً رغيداً
وذليلاً
بين أنجاسِ القصورْ .
لم تُرِد سُكنى بيوتٍ
شِدتَها .. عُمراً على الأشلاءِ .. من حقدٍ و جورْ .
إنها إندي المليحهْ
إنها إندي الجريحهْ
ربما راودتها عن نفسِها يوماً
و داريتَ الفضيحهْ
فوأدتَ القططَ السوداءَ أحياءً كآلافٍ سقيتَ الموتَ
في كأسِ الثبورْ .
ماتت المسكينة السوداءُ قهراً .
فَضَّلَتْ حريَّةَ الموتِ على العيشِ المريرْ .
فعزائي
و رثائي
أيها الهِرُّ الكبيرْ .