قل وداعاً - عاطف الجندي

يا حزنُ حسبك أنني
في دربك الموبوءِ بالهمِّ أسيرْ
الليلُ بين جوانحي
نزعَ الستارَ وراح يعرضُ
مسرحياتِ الدموعِ
وسطوةَ القدرِ الضريرْ
قصص المحبينَ العظامِ
تركتها
في دفترِ الموتِ تعاني
َسكْرة الإحساسِ
بالفقد المريرْ
يا هل ترى الموتُ الذي
نخشاهُ
يكتب للأحبة دائماً ؟!
يا هل ترى الموتُ الذي
أخشاهُ
- قبل اليوم -
لم يرهقه خطويَ
في الهروب ولم يملَّ
حكاية الثأرِ القديمِ
ولم يفكِّر
في الزواجِ ليتركَ العمرَ الحزينَ
على مشارفِ فرحتي
وأراه في دوَّامةِ الأحزانِ
يطلب لابنه
بعضَ الدواءِ
ويشتري عمراً له ؟!
أمشي .. أراهُ
بكلِّ شيءٍ عالقٍ
يصطاد أحبابي
ويطعنُ بالحرابِ حكايتي
وبعين شرٍّ
يقتفي أثري
ويتركني لبعض الوقتِ
كي أهب الرمالَ
إلى القصورِ ..
وموجُ هذا الدهر
يفعل ما يريدْ
***
ماذا يريد
وألف ثأرٍ قد أخذْ
ماذا يريد وكلّ يومٍ
يدفنُ الأحلامَ في قبرِ الزمانِ
يمارسُ القهرَ اللعينَ
على رقابِ أحبتي
واليوم يرصدُ توأمي
في حجرة الأمصالِ يُرسلُ
ألفَ وجهٍ للدموعِ
وجرح قلبٍ نازفٍ
ما بين لحدِ الموتِ والفرحِ المصاحبِ
للحياةِ شُعيرةٌ
وأنا أناديَ يا معاويةُ الطبيبُ
ألا انتظرْ
قل لي كلاماً
عن شُعيرتك المهيبةَ في الحياةِ
وخذْ حياتي
كي تعلمني الدهاءَ
لكي أريحَ وأستريحَ
وقل لهذا الضيفِ
لا أهلاً بمقدمه الذي
منه ارتعدنا
في ربوع الصيفِ , لا سلمتْ يداهُ
ولا أتى هذا الصباحْ
****
بيني وبين الموتِ
ثمَّ تعارضٌ وتوافقٌ
وصداقةٌ
أزليةٌ
تجتاحُ مفتاحَ القصيدةِ
للبكارةِ في الدموعْ
بيني وبين شواطئ الأوجاعِ
وجهٌ غارقٌ
وسفائنُ القرصانِ
تبحث عن جديٍد ,
بين أمواج الخضوعْ
وأخي هنالك
في سرير الآهةِ الهوجاءِ
ننعي حظَّه , و( الأوكسجينُ )
يعيدُ للصدر الحياةَ
بنبض عُمرٍ مضطربْ
يا موت لا ..
لا تقتربْ
هذا أنا
الصدرُ نفسُ الصدرِ أرضعني
وأرضعه الحياةْْ
يا موتُ نفسُ طفولتي
وملامحي
ورغيفِ عمري
قد قسمناه معاً
في الحقل ما بين الفراشِ
وخلفَ أحلامِ اليمامِ
وصيدَ أسماكِ القلوبِ
طُفولةٌ
لشجيرةِ الجُمِّيز ,
للتوتِ المصاحبِ للطيِورِ
لحفلةِ الأفراحِ في كرةِ القدمْ
للقبَّرات الخضر
في حقل البكورِ
صداقةٌ
للساهر الليليِّ
ذي الوجهِ الرحيبِ
هناك في أفق الطفولة.. فرحتانِ
وفي زمان الأوفياءِ
شجيرةُ الصفصافِ
أرختْ حُزنها
وتفتَّح النوَّارُ
في فصلِ العطاءِ
بعمرنا
في زيِّ مدرسةِ الأماني
كم حَلُمْنا بالحياةِ
بثوبها الفضفاضِ والحسن البهي
ولكم سهرنا في الشتاءِ
نديرُ ساقيةَ الرجاءِ
نداعبُ الأملَ السَّني
****
ولتستمع يا موتُ
هذا الصوتُ يأتي باليقينِ
شجيرةُ الأحلامِ
ترجوك ... اختصرْ
وتقول يا أبتي انتظرْ
أنا بنتُ مَوتٍ
والحقيقةُ .. هاهنا
قلبانِ في ظلِّ العبيرِ
وروعةِ الغصنِ الحريرِ ,
تشاجرا ,
وتعانقا
من أجل بسمةِ طفلةٍ ,
من أجل طائرة الورقْ
سمعا حكاياتِ العفاريتِ
وست الحُسنِ
والشاطر حَسنْ
والسندباد الفذ
في بحرِ المصاعبِ
والغرقْ
يا موت لا ..
لا دعه لي ..
ولنفترقْ
يا أيها الجَشِعُ الذي
لم يكفه جنسٌ ولا
لونٌ ولا ,
عصرٌ مَرَقْ
صعبٌ أراكَ بمنجلِ الحصَّادِ
تبغي دوحتي
أمسٌ وقبلُ الأمسِ
مارستَ الفَنَاءَ ولم أقلْ ..
لك نفترقْ
اليوم لا ,
أرجوك لا ,
فلنستبقْ
لا تخشَ إن – يومًا - ذهبنا
من أمامك
أن نضيعَ إلى الأبدْ
ما شئت ينفذ يا إله الحزنِ
يا سيفَ الأجلْ
لا تخش إن يوماً ذهبنا
من أمامك
أن تظلَّ بلا عملْ
***
يا أيها الاسمُ المعتقُ
في السنين المُرةِ الأحداقِ
لا تخفْ الحياةْ
إن الحياةَ جميلةٌ
والزهرُ فوَّاحٌ شذاه
إن الطبيعةَ
- أمُّنا -
قد مارستْ حقَّ البقاءِ
وأنت قدَّست الفناءَ ,
ولم تذق طعم الشفاه
والكون أرحب ما يكون إذا اعتزلت
وماتَ موتُك ,
وانتفضتَ مع الحياةْ
****
يا موتُ
يا موتُ دعْ ( محمودَ ) أو خذني أنا
فأنا مريضٌّ بالهوى ,
( وعُهودُ ) بانتْ ,
لم يعدْ لي في الوجودِ
سوى القلقْ
وأنا المُعنَّى بالهمومِ
وبالشقاءِ , ولم أفقْ
من ضربِ سوطِك
في الصباحِ وفي المساءِ ..
لم القلقْ ؟!
والثأرُ ما بيني وبينك
فانتظرْ
فأنا أوافقُ أن أسيرَ
إلى رحابِك حاملاً
ذلَّ الكفنْ
ليمرّ سِكينُ الخلاصِ
على الرقابِ , على العُمُرْ
أنا رهنُ شارتكِ البغيضةِ
فانتظرني
عند ناصيةِ المواتِ
ولا أريد بأن أراكَ اليومَ
إن مزاج هذا الصبحِ
ليس كما يُرادْ
وأنا اعترفت ,
أنا اعترفت ,
بأن سيفك صارمٌ ,
ولي الترددُ في قبولِ العرضِ
أو رفضِ الخلودِ
فقل وداعاً ,
قل وداعاً ,
يا مليك الحزنِ وقتٌ آخرٌ
تتقابل الأضدادُ فيه
مع الشهود !
حُمِّيَّات الإسكندرية