بَسَمَتْ تتيهُ مُدلّة ً بصباحها - علي الجارم

بَسَمَتْ تتيهُ مُدلّة ً بصباحها
زَهراءُ يَعْبثُ عِقدُها بِوِشاحِهَا

نَهَبتْ من المسك الفتيقِ سَوادَه
فأغار موتوراً على أنفاحِها

وتزينت بحلى َ الكواكبِ مثلمَا
تَتَزّينُ الحسناءُ في أفراحها

أرخى غدائرَها الحياءُ كأنها
عَذراءُ تخلِطُ لينها بجِماحها

هي ليلة ٌ مزجَ السرورُ صباحَها
بمسائِها ومساءها بصباحها

نور الملائكِ من سَنِيِّ ضيائِها
وشذى جنانِ الخُلدِ من أرواحِها

نَشَرتْ جَناحَ السلم يخفِقُ بالمُنى
فارتاحت الدنيا لخفْقِ جَناحها

ومضى بها شَبَحُ الخُطوب مُفزَّعاً
ولكَمْ لِقينا الويلَ من أشباحها

فُتِنَتْ بصفحتها القلوبُ فهلَ رأتْ
في لونِ صفحتها عيونَ مِلاحها

لو أنَّها عادتْ فكانتْ رَوْضَة ً
لتَغَنَّتِ الدنيا على أدْواحها

هي ليلة ُ الفاروقِ تتلو مجدَهُ
والدهرُ والأيامُ من ألواحها

قد أسفرتْ عن صُبْحِ يومٍ باسمٍ
برّاق سافرة ِ المُنَى لمّاحها

يومٌ على مصرٍ أغَرُّ مُحجَّلٌ
لمستْ به الأملَ البعيدَ براحِهَا

مدّت له الأيامُ فَضْلَ عِنانِها
من بعد طول نِفارها وشياحها

وسما بها الفاروقُ نحو مطامحٍ
جاز الشبابُ بها مدى أطماحها

غُصنٌ من المجدِ النضيرِ بدوحة ٍ
كم أصْغتِ الدنيا إلى أصْداحها

إن أشكلت دُهْمُ الأمورِ وأغلقتْ
أبوابَها فسلوه عن مِفتاحها

تُبْنَى الممالكُ والبطولَة ُ أُسَّها
وعزائمُ الأحرار من صُفَّاحها

والمجدُ أنْ تَرِدَ الصعابَ بهمة ٍ
شُمُّ الرواسي عِندَها كبِطاحها

تُلقى على الأحْداثِ من بَسَماتِها
مايُذهِلُ الأحداثَ عن إلحاحها

وَلرُبَّ نفسٍ ضَمَّها صدرُ الفتَى
ويضيقُ صدرُ الأرضِ عن فيَّاحها

شَرَتِ المكارمَ حُلوة ً بجهادها
مُراً فكان الحمدُ من أرباحها

والناس أشباهٌ ولكنَّ العُلاَ
عَرَفَتْ فتى العزماتِ من مزَّاحها

فاروقُ أنت فتى العُروبة ِ وابُنها
وبشيرُ وحْدتِها وزَندُ كِفاحها

جَمَّعتَ فُرقتها فأضحتْ أمّة ً
أقوى وأصْلَبَ من حديد رماحها

بَسمَتْ لها الدنيا وأشرقَ وجهُها
من بعدِ ما عَبَستْ لطولِ نُواحها

وشفى الزمانُ جِراحَها ولطالما
ضاق الزمانُ وطِبّهُ بجراحها

وتوحّدت راياتُها في راية ٍ
تُزْهَى الرياحُ بعُجبها ومِراحِهَا

أممٌ لها خُلْقُ السماحِ سَجيَّة ٌ
ودماؤها في الحرب رَمزُ سَماحَها

في جَبهة التاريخ منها أسْطُرٌ
كَتَبَ الإباءُ حروفَها بسلاحِها

آياتُ مجدٍ مُشرِقاتٌ فاسألوا
عَمْرواً وسيفَ اللّه عن أوْضاحها

نهضتْ بفاروقٍ فكانت آية ً
للبَعثِ بعد شَتاتها وطراحها

ورأتْ بشائرَ يُمنها في طَلْعَة ٍ
تُغْنى بها البسَماتُ عن إفصاحها

وجهٌ كأنّ البدرَ ألقى فوقَه
لألاءَهُ والشمسَ نورَ لِياحها

ومضاءُ نهَّاض العشيرة باسلٍ
حمَّال ألِويَة العُلاَ كَدّاحها

هبت به مصر إلى قصباتها
ريحا تسابق عاصفات ريحها

رَسَمَ النجاح لها فسارتْ حُرَّة ً
مِنْ بَعْدِ مَا التَبسَتْ طريقَ نجاحِهَا

هّبتْ به مِصرُ إلى قصابهاَ
ريحاً تُسابق عاصفاتِ رياحها

والناسُ من هِممِ الملوكِ وثوبُهم
من وحْيها وصلاحُهم بصلاحها

وإذا السفينة ُ لم تُبالِ زَعازعاً
فاسأل كبيرَ الشطِّ عن ملاَّحَها

عيدَ الجلوسِ وفي جَبينك آية ٌ
للسلْم تُنجى الأرضَ من أتْراحهَا

حَرْبٌ طَوى الحلفاءُ فيها صَيْحة ً
للظلم أزعجتِ الورى بنُباحهَا

والحربُ تبدأ كالحَصاة بزاخرٍ
لم يُدْرَ إنْ قُذفَتْ مدَى مُنداحها

كم هزَّتْ الدنيا صواعقُ نارها
وأصاب وجهَ الأرضِ من لَوّاحها

نفسي فداءُ البُسلِ في حَوْماتها
وفدَى الشبابِ يسيلُ فوقَ صِفاحَها

تَشرى شُعوبُ الحقِّ فيها مبدأً
بالنقْدِ من دمِها ومن أوراحهَا

النصرُ قد خَفَقَتْ لهم أعلامُه
والحربُ قد صاح البشيرُ بساحهَا

وغَدَتْ على الظمآن للدّم غُصّة ً
وجَهنماً أخْرَى على سَفّاحهَا

عيدَ الجلوسِ وللقوافي رَنّة ٌ
ألْهَتْ غصونَ الدوْح عن صَدّاحهَا

أرسلتُها ملءَ الأثير كأنما
وحْيُ السماء اختار غُرَّ فصاحهَا

ونَثرتُها دُرراً فودّتْ أنجمٌ
لو عَدّهُنَّ الحسنُ بين صِحاحهَا

عيدَ الجلوسِ وفيكَ ضاحكة ُ المُنى
دَبَّ السرورُ بروحها وبراحهَا

ثمِلَتْ وأغصانُ الربيع تمايلتْ
فكأنهنّ شرِبْنَ من أقداحهَا

فاروقُ ذكْرُكَ في الورَى متجدِّدٌ
كالشمس بين غُدِّوها ورَواحهَا

أجْهدتَ سارية َ الخيال فأجْبلَتْ
ماذا تقولُ اليومَ في أمداحهَا