مَلَّ مِنْ وَجْدِهِ وَمِنْ فَرْطِ مَا بِهْ - علي الجارم

مَلَّ مِنْ وَجْدِهِ وَمِنْ فَرْطِ مَا بِهْ
وَأرَاقَ الشَّرَابَ مِنْ أَكْوَابِهْ

وَإِذا الْقَلْبُ أَظْمَأَتْهُ الأَمَانِيُّ
فَمَاذَا يُرِيدُهُ مِنْ شَرَابِهْ

وَإِذَا النَّفْسُ لَمْ تَكُنْ مَنْبِتَ الأُنْ
سِ تَنَاءَى الْقرِيبُ مِنْ أَسْبَابِهْ

وَأَشّدُّ الآلاَمِ أَنْ تُلْزِمَ الثَّغْر َابت
ساماً وَالْقَلْبُ رَهْنُ اكتِئاَبِهْ

كُلَّما اخْتَالَ في الزَّمانِ شَبَابٌ
عَصفَتْ رِيحُهُ بِلَدْنِ شَبَابِهْ

وَالنُّبُوغُ النُّبُوغُ يَمضي وَتَمْضِي
كلُّ آمالِ قَوْمِهِ في رِكَابِهْ

غَرِدٌ مَا يكَادُ يَصْدَحُ حَتَّى
يُسْكِتَ الدَّهْرُ صَوْتَّهُ بِنُعابِهْ

وحَبابٌ إِذَا علاَ الْسَماءَ وَلَّى
فَاسْأَلِ الْمَاءَ هَلْ دَرَى بِحَبابِهْ

وسَفينٌ مَاشَارَفَ الشَّطَّ حَتَّى
مزَّقَ الْيَمُّ دُسْرَه بِعُبَابِهْ

بَخِلَ الدَّهْرُ أَنْ يُطَوِّلَ لِلْعَقْ
لِ فيَجْري إلَى مَدَى آرَابِهْ

كلَّمَا سَارَ خُطْوَة ً وَقَفَ الْمَوْ
تُ فَسَدَّ الطَّريقَ عَنْ طُلاَّبِهْ

وَابْتِدَاءُ الْكَمَالِ في عَمَلِ الْعَا
مِلِ بَدْءُ الشَّكاة ِ مِنْ أَوْصَابِهْ

ضِلَّة ً نَكْتُمُ الْمَشِيبَ فَيَبْدُو
ضَاحِكاً سَاخِراً خِلالَ خِضَابِهْ

أَينَ مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُرْشِدَ الدُّنيَا
وَسَوْطُ الْمَنُون في أَعْقَابِهْ

أَيُهَا الْمَوْتُ أَمْهِلِ الْكَاتِبَ الْمِسْ
كِينَ يُرْسلْ أَنْفَاسَهُ في كِتَابِهْ

آهِ لَوْ يَشْتَرِي الزَّمَانُ قَرِيضى
بِسِنينٍ تُعَدُّ لِي في حِسَابِهْ

مَا حَيَاتِي وَالْكَوْنُ بَعْدَ جِهَادٍ
لَمْ أَزَلْ وَاقِفاً عَلَى أَبْوابِهْ

تَظْمأُ النَّفْسُ في حَيَاة ٍ هِيَ الْقَ
فْرُ فَتَرْضَى بِنَهْلة ٍ مِنْ سَرابِهْ

أنَا قَلْبي مِنَ الشَّبَابِ وَجِسْمي
أَثْخَنَ الشَّيْبُ رَأْسَهُ بِحِرَابِهْ

أَمَلٌ هَذِهِ الْحَيَاة ُ فَهَلْ يَعْثُرُبِ
ي الْمَوتُ دُونَ وَشْك طِلاَبِهْ

كُلَّمَا رُمْتُ لَمْحَة ً مِنْ سَنَاهُ
هَالَنِي بُعْدُهُ وَطُولُ شِعَابِهْ

مَا الذَّي تَبْتَغِي يَدُ الدَّهْرُ مِنِّي
وَدَمِي لا يَزَالُ مِلءَ لُعَابِهْ

دَعْ يَرَاعِي يا دَهْرُ يَمْلأ سَمْعَ النِّ
يلِ مِنْ شَدْوِهِ وَعَزْفِ رَبَابِهْ

كُلُّ شَيىء لهُ نِصَابٌ سِوَى الْفَ
نِّ فلا حَدّ ينتهي لنصابه

عصفتْ صَيحة ُ الرَّدى بخطيبٍ
وَهْوَ لَمْ يَعْدُ صَفْحَة ً مِنْ خِطَابِهْ

سَكْتَة ٌ أسْكَتَتْ نَئِيجَ خِضَمٍّ
عَقَدَ النَّوْءُ لُجَّهُ بِسَحَابِهْ

سَكْتَهٌ أطْفَأَتْ مَنَارَ طَرِيقٍ
كَمْ مَشَتْ مِصْرُ في ضِيَاءِ شِهَابِهْ

وَمَضى قَاسِمٌ وَخَلَّف مَجْداً
تَفْرَعُ النَّجْمَ رَاسِيَاتُ قِبَابِهْ

قَدْ نَكِرْنَاهُ حِينَ قَامَ يُنَادِي
وَفَهِمْنَا مَعْنَاهُ يَوْمَ احْتِسَابِهْ

رُبَّ مَنْ كُنْتَ في الْحَيَاة ِ لَهُ حَرْ
باً شَقَقْتَ الْجُيُوبَ عِنْدَ غِيابِهْ

وَتَحَدَّيْتَ شَمْسَهُ فَإذا وَلَّى
تَمنَّيْتَ لَمْحَة ً مِنْ ضَبَابِهْ

لَمْ يَفُزْ مِنْكَ مَرَّة ً بِثَنَاءٍ
فَنَثَرْتَ الأزْهَارَ فَوْقَ تُرَابِهْ

يُعْرَفُ الْوَرْدُ حِينَمَا يَنْقَضِي الصَّيْ
فُ وَيُبْكي النُّبُوغُ بَعْدَ ذَهَابِهْ

كَمْ نَدَبْنَا الشَّبَابَ حِينَ تَوَلى
وَشُغِفْنَا بِالْبَدْرِ بَعْدَ احْتِجَابِهْ

كَتَبَ اللّهُ أَنْ يَعِيشَ غَريباً
كُلُّ ذِي دَعْوَة ٍ إلى الْحَقِّ نَابِهْ

لا تَرَى فَوْقَ قِمَة ِ الطَّوْدِ إِلاَّ
بَطَلاً لا يًهَابُ هَوْلَ صِعَابِهْ

كُلُّ ذَاتِ الْجَنَاحِ طَيْرٌ وَلَكِنْ
عَرَفَ الْجَوُّ نَسْرَهُ مِن غُرَابِهْ

كَمْ رَأَيْنَا في النَّاسِ مَن يَبْهَرُ الْعَيْ
نَ وَمَا فِيِه غَيْرُ حُسْنِ ثِيَابِهْ

يَمْلأُ الأرضَ وَالَّسماءَ رِيَاءً
وَعُيُوبُ الزَّمَانِ مِلءُ عِيَابِهْ

نَقَدَ النَّاسَ قَاسِماً فَرَأَوْهُ
أَصبَرَ النَّاسِ في تَجَرُّعِ صَابِهْ

حُجَّة ُ الْجَاهِلِ الْمِرَاءُ فاِنْ شَا
ءَ سُمُوًّا أَمَدَّهَا بِسَبَابِهْ

قَدْ يُغَشِّى الْوِجْدانُ بَاصِرَة َ الْعَ
قْلِ فَيُعْمِيهِ عَنْ طَرِيقِ صَوَابِهْ

صَالَ بِالرَّأْي قَاسمْ لاَيُبَالي
وَمَضَى في طَرِيقهِ غَيْرَ آبِهْ

كِمْ جَرىء لاَ يَرْهَبُ السَّيْفَ إنْ سُلَّ
وَنِكْسٍ يَخَافُ مَسَّ قِرابِهْ

وَالشُجَاعُ الَّذي يُجَاهِرُ بِالْحَ
قِّ وَلَوْ كَانَ فِيهِ مُرُّ عَذَابِهْ

كَيْفَ يَهْدي النَّصِيحُ إِنْ رِيعَ يَوْماً
مِنْ قِلَى مَنْ يُحِبُّ أَوْ إِغْضَابِهْ

وَطَرِيقُ الإِصْلاَحِ في كُلِّ شَعْبٍ
عَسِرُ الْمُرْتَقَى عَلَى مُجْتَابِهْ

يَعْشَقُ الشَّعْبُ مِنْ يُدَلِّلُهُ زُو
راً بِمَذْقٍ مِنْ سُخْفِهِ وَكِذَابِهْ

قُمْتَ لِلْجَهْلِ تَقْلِمُ الظُّفْرَ مِنْهُ
وَتَفُضُّ الْحِدَادَ مِنْ أنْيَابِهْ

فِي زَمانٍ كَانَ الْقَدِيمُ بِهِ قُدْ
ساً يُذَادُ الْجَدِيدُ عَنْ مِحْرابِهْ

يَانَصِيرَ النِّسَاءِ وَالدِّينُ سَمْحُ
لَوْ وَعَيْنَا السَّرِيَّ مِنْ آدَابِهْ

قَدْ خَشَينَا على الْحَمائِمِ في الدَّوْ
حِ أَظافِيرَ بَازِهِ أَوْ عُقَابِهْ

إنْ أَرَدْتَ الظِّبَاءَ تَمْرَحُ فِي ال
سَّهْلِ فَطَهِّرْ أَكْنَافَهُ مِنْ ذِئَابِهْ

كَمْ ضِرَاءٍ وَسْطَ الْمَدَائِنِ أَنْكى
مِنْ ضِرَاءِ الضِّرْغَامِ في وَسْطِ غَابِهْ

وشِبَاكِ مِنَ الْجَرائِمِ والْخَتْلِ
حَوَاهَا شَيْطَانُهُمْ فِي جِرَابِهْ

وَإِذَا مَا الْحَيَاءُ لَمْ يَسْتُرِ الْحُسْ
نَ فَمَاذَا يُفِيدُهُ مِنْ نِقَابِهْ

قُمْتَ تَدْعُو الْبَنَاتِ لِلْعِلْمِ فَانْظُرْ
كَيْفَ حَلَّقْنَ فَوْقَ شُمِّ هِضَابِهْ

وَزَهَا النِّيلُ بابْنَة ِ النِّيلِ فَاخْتَا
لَ يَجُرُّ الذَيُولَ مِنْ إِعْجَابِهْ

وَغَدَا الْبَيْتُ جَنَّة ً بالَّتي فِي
هِ خَصِيباً بالأُنْسِ بَعْدَ يَبَابهْ

يَا فَتَى الْكُرْدِ كَمْ بَرَزْتَ رِجاَلاً
مِنْ صَمِيمِ الْحِمَى وَمِنْ أَعرَابِه

نَسَبُ الْمَرْءِ مَا يَعُدُّ مِنَ الأعْ
مَالِ لا مَا يَعُدُّ مِنْ أَنْسَابِه

كَمْ سُؤَالٍ بَعَثْتُ إِثْرَ سُؤَالٍ
أَيْقَظَ النَّائِمينَ رَجْعُ جَوَابِه

كُنْتَ فِي الْحَقِّ لِلإِمَامِ نَصِيراً
وَالْوَفِيَّ الصَّفِيَّ مِنْ أَصْحَابِه

نَمْ هنِيئاً فَمِصْرُ نَالَتْ ذُرَا الْ
مَجْدِ وَفَازَتْ بِمَحْضِهِ وَلُبَابه

مِنْكَ عَزْمُ الدَّاعي وّفَضْلُ الْمُجَلِّي
وَمِنَ اللّهِ مَا تَرَى مِنْ ثَوَابِه