يا دارَ فاتِنَتيِ حُيِّيتِ مِنْ دَارِ - علي الجارم

يا دارَ فاتِنَتيِ حُيِّيتِ مِنْ دَارِ
سَيَّرْتُ فيكِ وفيِ مَنْ فِيكِ أَشْعَارِي

رَحلتُ عَنَها وللأشجانِ ماترَكَتْ
في العَيْنِ والقلبِ من ماءٍ ومِنْ نار

كانتْ مَجَالَ صَباباتٍ لَهَوْتُ بها
ومُسْتَراضَ لبُاناتٍ وأوْطارِ

أسائِلُ الطَيْرَ عَنها لو تُنَبِّئني
أو تنْقُلُ الطَيرُ عنها بَعْضَ أخْبار

يَنْسَى بهَا كلُّ نائِي الدَارِ مَوْطِنَهُ
وما تجشَّمَ مِنْ بَيْنٍ وأَسْفَار

يَلْقى بها أينما أَلَقى عَصَاه بِها
أَهلاً بأَهْلٍ وأَصْهاراً بأصْهار

وفِتْية ً كرِماحِ الخطِّ إِنْ خَطَرُوا
فَدَيْتَ بالنّفسِ منهم كلَّ خَطَّار

بِيضَ الوُجُوهِ مَساميحَ الأكُفِّ مَنا
جِيدَ الصَّريخِ سَرَاة ً غيرَ أَغْرار

لايَنزِل الضَّيفُ صُبْحاً عُقرَ دارِهمُ
إِلاّ ويُمْسِى عِشاءً صاحِبَ الدار

قد آمنُوا بإِلَهِ الحُبِّ وارْتَقَبُوا
آياتِهِ بَيْنَ إجْلالٍ وإِكْبار

وصوَّرُوهُ فَتى ً أعْمَى إِذا رَشَقَتْ
يَدَاهُ بالنَّبْل أصْمَى كُلَّ جَبَّار

عُرْيانَ إِنْ مَسَّهُ بَرْدُ الشتاءِ فما
له سِوَى زَفَراتِ الوَجْدِ منْ نار

يَغْشَى الفَتاة َ ولَمْ تَرْقُبْ زِيارَتهُ
وخِدْرها بَيْنَ أَغْلاقٍ وأَسْتار

فَطَرْفُها خاشِعٌ من بَعْدِ زَوْرَتِهِ
وقَلْبُها نَهْبُ أَوْهامٍ وأَفْكارِ

تَشْكُو إِلَى أُمّها ضَيْفاً ألمَّ بِها
والأُمُّ إِنْ تَسْتَطِعْ باحَتْ بأَسْرارِ

ويصْرَعُ الفارِسَ المِغْوارَ إِن لَعِبَتْ
كَفّاهُ بالسَّيْفِ أرْدَى كلَّ مِغْوَار

فلا تراهُ سِوَى شاكٍ لسَاجِعَة ٍ
أو نادِبٍ إِثرَ أَطْلالٍ وآثار

ويَطْرُقُ الشَّيْخَ في المِحْرابِ قَدْ فَنِيَتْ
عِظَامُهُ وَبَرَتْهُ خَشْيَة ُ البَاري

فلم تكُنْ لَمْحَة ٌ إلاّ ليَفْتِلَهُ
من الصَّلاة ِ ومن تَرْتيلِ أذْكار

يبرُزْنَ في اللَّيْل مِثْلَ الشُّهبِ ساطِعة ً
مابَيْنَ سيَّارَة ٍ تَجْرِي لِسَيّار

مِنْ كلِّ خَمْصَانَة ِ الكَشْحَيْنِ ناصِعَة ٍ
كأنّها دُرَّة ٌ في جَوْفِ زخّار

تَسْعَى إِلى أغْيَدٍ ماطَرَّ شَارِبُهُ
كأنَّما صَفْحَتاهُ وجْهُ دِينارِ

أرضٌ كَأَنَّ إِلَهَ الأرْضِ أَوْدَعَها
بَدائِعَ الْحُسْنِ مِنْ عُونٍ وأَبْكار

أَلقَوْا خُدُودَ العَذَارَى في حَدَائِقَها
ولَقَّبُوها بأَثْمَارٍ وأزْهار

وجرَّدُوا كُلَّ حُسْنٍ من قَلائِده
فَصِرْنَ حَصْباءَ في سَلْسَالها الجَاري

لَوْ كانَ في عُنْصُرِي صَلْصالُ طِينَتِها
ماراعَنِي الدّهْرُ في يومٍ بأكْدَار

أوْ كُنْتُ أظْفَرُ في الأخرى بِجَنَّتِها
غَسَلْتُ بالدمْعِ آثامي وأوْزاري