شاعر في المنفى - علي فريد

ساهراً أنزفُ القصيدةَ وحدي
وقوافي من همومٍ وسُهدِ

والفراغُ الذي أُفلسفُ حزني
في متاهاتهِ طعامي ووِردي

والغرابات حُشَّدٌ تتمطى
فوق رأسي وتسهر الليل عندي

ويراعي يخطُّ ما ليسَ يدري
ويرى ما يخطُّه ليس يُجدي

ههنا غربتي استحالت جذوراً
في جذوري ، كأنها إرث جَدِّي

من رآني هنا أجُرُّ خبالاً
ناسجاً من خبالِ عصريَ بُردي

***

من جنوب الجنوب جئتُ وشعري
لفحُ نارٍ أقلُّ ما فيه يُردي

من جنوب الجنوب جئتُ وحيداً
مستجيراً أجُرُ خلفيَ قيدي

والأمانيُّ دمعةٌ في عيوني
تتلظى، وصفعةٌ فوقَ خدي

وبقلبي مفاوزٌ من حنينٍ
خددتها سياطُهم فوقَ جلدي

صنفوني تآمرياً ، وقالوا :
أبعدوه ،إنَّ التَطرُفُ يُعدِي

ألأني ثَبَتُّ في وجه خصمي
كَافَؤوني على ثباتي بطردي؟

أم لأن الذين فرُّوا وهرُّوا
في "حزيرانَ " عربدوا فوقَ لحدي

أم لأن النظام في كل شبرٍ
خائنٌ يُفتدى وشعبٌ يُفَدِّي

من بنا جاء يا زمانُ غريباً ؟
ومتى تُنضج الغراباتُ رُشدي ؟

***

جئتُ أستخبرُ السنين الحُبالى
عن طريقِ إلى الأسى لا يؤدي ؟

عن ممرٍ أسيرُ فيهِ وعيني
لا ترى في ضُلوعه أيَّ جُندي

عن بني " يعربٍ " متى عربد الجبنُ
بأسيافهم ، وماتَ التحدي

عن كؤوسٍ من المآسي شربناها
بحلمٍ من الشعاراتِ وَرْدِي

***

كلَّ عامٍ أقولُ: يا عامُ مهلاً
أيَّ شعبٍ إلى الرصاصِ ستهدي؟

أيَّ سجنٍ ستبتني؟ أيَّ ركنٍ
من بلادي ،ستبتليهِ بوغدِ ؟

أي لصٍ سيبتني من دمانا
ألف قصرٍ ؟ وأي عذر ستُبْدي ؟

أيَّ فنانةٍ ستكشفُ منها
ما تغطى ؟ وأي عُهرٍ سَتُسْدِي؟

***

يا بلادي ، ترمدت في فؤادي
أمنياتي ، وتاهَ في السيرِ قصدي

وامتطى خنجرُ ابنِ عمي ضلوعي
بعدما كانَ زنده بعضُ زندي

وبرغمي أبيتُ جرحاً وأشدو:
يا وعيدي متى سينهلُّ وعدي

وأنادي : يا " مصرُ " أدري لماذا
جئتُ وحدي وأرحلُ الآنَ وحدي

فإذا أطفأوا اللظى في عيوني
سوفَ يأتي من يشعلُ النارَ بعدي