عواصف - علي فريد

إلى أخي .. محمد فريد

إلاكَ أبغضتُ الورى .. إلاكَ
فَتَعالَ في حَرَمِ الأسى نَتَشَاكَى

نَاديتُ ومضَكَ واسْتَحَلتُ حَرَائِقاً
مَا ضَرَّ لو لبَّيتَ من ناداكَ

ودَعْتَنِي ومشيتَ .. نَبْضُ حقيقتي
وهمٌ.. وأين حَقِيقَتِي لَولاكَ

إنَّ الذي سَوَّاكَ مِن أَلَقِ الضُحَى
سَوَّى مِِن الليلِ الحَزِينِ أخَاكَ

مَا زِلتُ أسْتَجدِيكَ بِضْعَةَ أحْرُفٍ
أَشْتَمُّ في أنفَاسِها رَيَّاكَ

وتَكَادُ تَكْتُبُنِي يداي قصيدةً
لَكَ بِالدمُوعِ ولا تَردُّ يَدَاك

وتَبُثُّنِي ذِكْرَاكَ نَجْوَى صُحْبَةٍ
مَاتَتْ فَتَمْضَغُ حَسرَتِي ذِكرَاكََ

عَادَ الزمانُ المرُّ يَسْفَحُ عُرْيَنَا
فَيُثِيرُ قَافِيَتِي ويُلْجِم فَاكَ

إِنَّ الذي سَمَّيْتَهُ مَهْدَ الصِّبَا
قَد رَدَنِي عَن بَابِهِ ودَعَاكَ

واليَومَ أَصْبَحَ كُلُّ شَيئ ٍ بَيْنَنَا
ذِكْرَى عَلى أَطْلالِها أتباكىَ

أَمْسَيْتُ يَصْفَعُ بِي رصيفٌ آخراً
وَيَقُولُ لِي : أَنَّى مَشَيتَ أَرَاكَ

وَتَكَادُ تَصْرخُ بِي الدرُوبُ سَآمةً :
أَضْنَى الحصَى الغَافي أَنِينُ خُطَاكَ

يَا جُوعِيَ الممقُوت.. كُلُّ مصيبتي
أَنَّ الرَغِيِفَ يُجَاوزُ الأفلاكَ

أَقْتَاتُ ماذا.. كُلُّ كَفٍّ ههنا
تَرْمِي عَلى قُوتِ الغَرِيب شِبَاكا

بَيْنِي وَبَينَ فَمِي مَسِيرةُ أَشْهُرٍ
كَيْفَ الوُصُول ولا أُطِيقُ حَراكَا

خَلفِي نُبَاحُ المُخْبِرِينَ وأرجُلِي
تَدْمَى .. ودَربِي يُنبِتُ الأشواكَ

مَاذا أَقُولُ .. هُنَا يُضَاجِعُنِي الأسى
شَغَفَاً، وتَعْشَقُنِي السُجون هُنَاكََ

سَوط ُ المنَافيِِ عَادَ يَسْقِينِي اللظى
كَرْهَاً ولا أَسْطِيعُ مِنه فِكَاكَا

يَا أيُّهَا الألَمُ الُمسَمَى مَوطِنِي
في بَاب أي سِفَارةٍ ألقاكََ

كَفَّاكَ حَاكَتْ لِي قَمِيصَ مرارةٍ
ولَبِستُ مَا حَاكَتْهُ لِي كَفَّاكَ

مَنَّاك بالإشراق مَن خَنَقَ الضُحَى
في مُقْلَتَيكَ وَمَن أَضَاعَ مُنَاكَ

وَرَجَوْتَ أَنْ يُعْلِيكَ أَقْطَاب أَتوا
فَإِذا بِهِم يَسْتَهدِفُون عُلاكَ

خَانَ الذي اسْتَودَعْتَ أَمْنَكَ عِنده
أَمْنَاً ، وَمَن أَنْجَبْتَهُ عَادَاك

لا تَرْجُ مِن هَذا وَذَاك تَقَدُّماً
سِيَّانَ هَذا في الَبلاءِ وذَاكَ

إِنَّ الذِينَ بَنَوكَ ثُوارٌ مَضَوا
وَأَتَتْكَ ثِيرََانٌ تَهُدُّ بِنَاكَ

رَكِبُوكَ بِاسْمِ الشَّعبِ أَوَلَ صُبْحِهِم
وَتَقَاسَمُوكَ عَشِيَّةً أَمْلاَكَا

وَرَأَوْكَ أَخْلَدَ مَا تَكُونُ فَقَنَّنُوا
لَكَ باسْمِ " أَمْنِ المَانِحِينَ " هَلاَكَا

أَتَقُولُ لِي : هُم بَعْضُ نَسْلِيَ ..رُبَمَا
نَهَجُوا الصَّوابَ ، فلا تَكُنْ شَكَّاكَّا

إِنِّي أُعِيذُكَ مِن ظُنُونِكَ سَيِّدِي
أَرَأَيْتَ شَيْطَاناً يَحُولُ مَلاَكَا

دَعْنِي مِن الخُطَِبِ التي مَا أَنْجَبَتْ
شَعْبَاً ، ولَكِن أَنْجَبَت سَفَّاكَا

يَا أَيُّهَا الوطَنُ المُسَرْبَلُ بِالظَمَا
إِنَّ الذي اسْتَسْقَيتَهُ أَظْمَاكَ

إِنِّي كَتَبتُكَ في الفُؤادِ قَصِيدَةً
وَوَقَفْتُ آمَالِي عَلَى لُقيَاكَ

والآن َ يَا ابْنَ أَبِي ..أُفَتِشُ لا أعي
زَمَنِي ، ولا أَتَلَمَّسُ الإِدْرَاكََ

صمتي كجوف السجن ، لا يجد الردى
فَتْكَاً ، ولا يَسْتَرْحِمُ الفَتَّاكََ

بَيْنِي وَبَيْنَ الانْتِحارِ رسائلٌ
أَرْبَكْتُهَا ، وتَزِيدُنِي إِرْبَاكَا

زَمَنِي الذِي أَرْجُوه ضَلَّ طَرِيقَهُ
نَحْوِي وَعَادَ مُلَوَناً أَفَّاكَا

أواه يَا ابْنَ أَبِي .. مَصَائبُ غُرْبَتِي
تَتْرَى ، وَمَن بِمَصَائِبِي أدراكََ

لِي مِنْ رُؤَى عَينََيك َ آلافُ الرؤى
نَبْضُ الشَّقَاء بِهِنَّ قَد وافَاكَ

لِي مِنْكَ يَا ابْنَ أَبِي إِليكَ قَصَائِدٌ
سُودٌ عَلى شَفَرَاتِها نَتَحَاكَى

أَنَّى اتَجَهْتُ رأيتُ طَيْفَكَ قِبْلَتِي
فََكَأنَّمَا الدُنيَا غَدَتْ دُنيَاكَا

أَشْتَاقُ أَنْ تَسرِي عَلى قَلْبِ الدُجَى
نَارَاً وأَحْمَدُ فيِ الصبَاحِ سُرَاكَ

يَا مَن فَتَحْتُ لَهُ كِتَابَ مَشَاعِري
اقْرَأ ، فَمَا سَطَّرتُ فِيهِ سِوَاكَ