حانة الشعراء - علي محمود طه

هي حانة شتّى عجائبها
معروشة الزّهر و القصب

في ظلّة باتت تداعبها
أنفاس ليل مقمر السّحب

و زهت بمصباح جوانبها
صافي الزّجاجة راقص اللّهب

باخوس فيها و هو صاحبها
لم يخل حين افاق من عجب

قد ظنّها ، و السّحر قالبها ،
شيدت من الياقوت و الذّهب

***

إبريقه حلي من الدّرر
يزهى به قدح من الماس

و كأن ما حوليه من صور
متحركات ذات أنفاس

تركت مواضعها من الأطر
و مشت له في شبه أعراس

منهنّ عازفة على وتر
متفجّر بأرقّ إحساس

و غريرة حوراء كالقمر
تحنو على شفتيه بالكاس

***

أو تلك حانته ؟ فوا عجبا !
أم صنع أحلام و أهواء ؟

و من الخيال أهلّ و اقتربا
فينوس خارجة من الماء !

في موكب يتمثّل الطّربا
و يميل من سحر و إغراء

و بكلّ ناحية فتى وثبا
متعلقا بذراع حسناء

يتوهّجون صبابة و صبا
يتمثلون غريب أزياء

***

حمر الثّياب تخال أنّهمو
يفدون من حانوت قصّاب !

جلسوا نشاوى مثلما قدموا
يترقبون منافذ الباب

يتهامسون و همسهم نغم
يسري على رنّات أكواب

إن تسأل الخّمار قال همو
عشّاق فنّ أهل آداب

لولا دخان التّبغ خلتهمو
أنصاف آلهة و أرباب

***

من كلّ مرسل شعره حلقا
و كأنّها قطع من الحلك

غليونه يستشرف الأفقا
و يكاد يحرق قبّة الفلك

أمسى يبعثر حوله ورقا
فكأنه في وسط معترك

فإذا أتاه وحيه انطلقا
يجري اليراع بكفّ مرتبك

و يقول شعرا كيفما اتفقا
يغري ذوات الثّكل بالضحك

باخوس يروي عن غرائبهم
شتّى أحاديث و أنباء

قصص تداول عن صاحبهم
و عن الصّبايا فتنة الرآئي

و عن الخطيئة في مذاهبهم
بدأت بآدم أم بحوّاء

و الملهمات إلى جوانبهم
يكثرن من غمو و إيماء

يعجبن من فعل الشّراب بهم
و يلذن من سأم بإغفاء

***

و تلفتّوا لما بدا شبح !
فنانة دلفت من الباب

سمراء بالأزهار تتّشح
ألقت غلالتها بإعجاب

ومشت تراقصهم فما لمحوا
إلاّ خطى روح و أعصاب

و سرى بسرّ رحيقه القدح
في صوت شاجيّ اللّحن مطراب

و شدا بجوّ الحانة الفرح
لإلهة فرّت من الغاب

***

هي رقصة و كأنّها حلم
و إذا بفينوس تمدّ يدا

الكأس فيها و هي تضطرم
قلب يهزّ نداؤه الأبدا :

زنجيّة في الفنّ تحتكم ؟
قد ضاع فنّ الخالدين سدى !

فأجابت السّمراء تبتسم :
ألفنّ روحا كان ؟ أم جسدا ؟

يا أيّها الشعراء و يحكم
اللّيل و لّى و النّهار بدا !