صاحب الأهرام - علي محمود طه

هلّ متن بين الموت و الميلاد
إلاّ حياة مآثر و أيادي ؟

و هل استطبت على الرّفاهة و الصّبا
إلاّ نهار ضنى و ليل سهاد ؟

و كفاح أيّام و عرك شدائد
بجميل صبر أو طويل جهاد ؟

متواضعا ، نترفّعا ، ترقى الذّرى
في مثل صمت الكوكب الوقّاد

يلقى أشعّته هناك و ههنا
و يضيء في الأغوار و الأنجاد

أهرامك المثلى نتاج قرائح
خلافة موصولة الأمداد

دنيا من الفكر الطّليق و عالم
رحب الجوانب شاسع الآماد

تهدي الحيارى المدلجين كأنّها
في شاطئ الوادي منارة هادي

قم يا فتى الأهرام و انظر رفقة
ينتظّرون خطاك في الميعاد

و يسائلون بك العشيّ كدأبهم
هذا النديّ ! فأين صدر النّادي ؟

يا لهف ، ما علموا بأنّك مزمع
سفر الحياة و رحلة الآباد

يا لهف ما ظفروا كما عوّدتهم
عند الوداع بنظرة و تنادي

حين الوفاء الجمّ شيمتك التي
أسرت قلوب أحبّة و أعادي

دخلوا عليك البيت جسما ضارعا
متفرّدا ، و الموت بالمرصاد

و الفكر صحو ، و الجبين شعاعة
ألاّقة الرّوح في إيقاد

و الشّمس بين سحابتين تدجّتا
رمق يصارع حينه و يرادى

في شاطئ قاني المياه كأنّها
مصبوغة بدم النّهار الفادي

هي صورة لك و المساء مقارب
و الرّوح ركب ، و المنية حادي

و القلب في كفّ القضاء فراشة
رفافّة و العمر وشك نفاد

عجبا أيشكو قلبه من قلبه
كنز الرّضى و الخير و الإسعاد !

و تخونه الأنفاس و هو رحابة
كم نفّست عن أمّة و بلاد ؟

و إذا أتى الأجل النّفوس فلا تسل
عن صحّة الأرواح و الأجساد

أأبا بشارة لا يرعك بعاده
مصر اجتبته فلا ترع ببعاد

آثرتها بهواك ، يا لغرامها !
هي مصر مهد الموت و الميلاد

حفظت لولدك الصّنيع المجتبى
و رعت فتاة البرّ في الأولاد

و رأت نجيبك فاستفاض حنانها
لسميّه المرجوّ في الأحفاد

ذكرت بيتمك يتمه فتفجّرت
حبّا ، و قبّلت الرّجاء البادي

لبنان نازعها هواك و ما رأى
لبنان إلاّ من ضفاف الوادي

الأرز فيه و النّخيل كلاهما
أعشاش حبّ أو خمائل شادي

أرض العروبة لا تخوم و لا صوى
ما مصر غير الشّام أو بغداد

و أخوّة بالمسجدين و جيرة
من آل طارق أو بني عبّاد

قسما بأمساء النّديّ و مجلس
متألّق بالرّفقة الأمجاد

و جمال أسحار و طيب أصائل
بالذّكريات روائح و غوادي

و محبّة للخير صفو مزاجها
مرضاة نفس أو عزاء فؤاد

ألاّ استمعت إلى رفاقك ليلة
و النّار في مهج و في أكباد

جمد المداد عللا شبا أقلامهم
فصريرها نوح و لحن حداد

وا حسرتا ! أيّ الرّثاء أصوغه
لوفاء حقّ محبّتي و ودادي ؟

أرثيك للأمم التس شاطرتها
كرب الخطوب و فرحة الأعياد

و أذعت دعوتها و جزت بصوتها
في المغربين شوامخ الأطواد

و وصلت بين قريبها و بعيدها
رحم العروبة أو عهود الضّاد

قم حدّث القرّاء عما شعته
في العالم المتنافر المتعادي

وصف الممالك و الشّعوب كما ترى
ببراعة الوصّافة النقّاد

تطوي الغمائم و الخضارم و الثّرى
و تجول بين حواضر و بوادي

بفطانة الصّحفيّ و هي بصيرة
تغزو و تفتح مغلق الأسداد

يا ربّما نبأ أثار بوقعه
ما لا تثير ملاحم الأجناد

و هدى قبيلا أو أضلّ جماعة
لسبيل غيّ او سبيل رشاد

و الهف نفسي كم تمنّيت المنى
يوم السّيوف تقرّ في الأغماد

هل كنت تبصر من حضارة عصرها
إلا نثير حجارة و رماد

إنّ السّلام الحقّ ما آثرته
و الأرض غرقى في دم و سواد

و النّاس ما زالوا كما خلّفتهم
صرعى و الهوى و فرائس الأحقاد ؟

***