نار و نار - علي محمود طه

حبيبة قلبي هي النّار لا
تشبّي لظاها و لا تستثيري

دعيها و لا توقظي جمرها
فما النّار أحنى من الزّمهرير

فدى راحتيك فؤاد يلذّ
له في هواك عذاب السّعير

أنيليهما دفء ثغري الحنون
و صونيهما رحمة من زفيري !

***

قسى البرد ! كيف ؟ أيقسو عليك ؟
و وا عجبا كيف يرضى المساء

و كم جئته بأرقّ الغناء
و أشرقت فيه بوحي السّماء

أ أختاه ! أيّ عذاب طغى
عليك ، و أيّ ضنى أو شقاء

ضرعت إليك فلا تسلمي
و دائعنا للرّدى و العفاء !

***

هما هنّ بعض مداد جرى
و لا هنّ أختاه بعض الورق

و لكنّهنّ شغاف الفؤاد
و ذوب السّواد و نور الحدق

و أحلام دنيا و أشواقها
لروحين بعد الضّنى و الرّهق

أفاءا إلى أيكة ينظران
جمال المساء و سحر الشّفق !

***

أحسّ بقلبك لذع الأسى
وفي و جنتيك لهيب الدّموع

و اسمع صيحة ميتقتل
يصارعه اليأس بين الضّلوع

و المح جانب المصطلى
و جوها زواها الأسى و الخشوع

محدّقة فيه ، محنيّة
عليه ، و يا للّظى كم يروع !

***

لهنّ لياليك أو ذكرياتـ
ـي جئن بأجنحة من ضياء

تسمّعن صوتك تحت الظّلام
فجبن الثّرى و طوين الفضاء

تمسّح كفذيك راحاتهنّ
على قبل من شفه ظماء

و سكبن في أذنيك الدّعاء
و في قلبك الغضّ نور الرّجاء

***

ألا يا عرائس وادي الخيال
بآلهة الرّحمة المنصفه

ألا أدفعن هذا الرّدى المشرئبّ
و أمسكن هذي اليد المضعفه

و انقذن هذا الغرام الشّهيد
فقد كادت النّار أن تلقفه

رسائل ، أنبل ما سطّرت
يد الحبّ أو ردّدته شفه !

و صنّ أزاهر ما نوّرت
بهنّ الغصون لغير الشّفاه

و لا نسمت غير روح الهوى
و لا غير أنفاسه أو شذاه

أزاهرهنّ رؤى ليلة
هي العمر أو هي كلّ الحياه

تمثّلها في الحبّ في باقة
إلهيّة جمعتها يداه

***

ألا يا عرائس وادي الخيال
ألا ابعثن روح الرّضى و السّلام

ألا احكمن بيني و بين التي
تثور بعاشقها المستهام

تفارقه و تطيل الفراق
و تسأله أين عهد الغرام

فإن قال :ضيّعته ، أسرعت
إلى النّار توقظ فيها الضّرام

***

ألا يا عرائس هلا استمعت
لأختي ربّة هذا القصيد !

أغرّد روح بهذا الصّفاء
وردّد قلب كهذا النّشيد !

يقول: أنا الحبّ لا تلق بي
إلى النّار إنّي قويّ شديد

و ما أنا بعض رماد لها
و لا أنا بعض حطام بديد

أنا الجوهر الفرد لا ماستي
تذوب ، و لا نورها ينفذ

منحت الخلود و أعطيته
لمن يلهم الشّعر و ينشد

تخرّ العروش و تهوي الشّموس
و لي عرشي الخالد الأبّد

هو القلب أعظم ما صوّرت
يد الله ما نازعتها يد

***

ألا يا عرائس وادي الخيال
ألا قرّبي يدها قرّبي

حبيبة قلبي نسيت النّوى
و دعوى البريئة و المذنب

و أنسيت حتى كأنّ لم يكن
على الأمس ما كان أو مرّ بي !

حديث القصاصة ردّ هوى
لقلبي ، فشبّيه أو ألهبي !!