بطل الريف - علي محمود طه

لا السّيف قرّ و لا المحارب عادا
ويح البشير ! بأيّ سلم نادى ؟

الأرض من أجساد من قتلوا بها
تجني العذاب و تنبت الأحقادا

فاض السّحاب لها دما – مذ شيّعت
شمس النهار

رأت الحداد به على أحيائها
أتراهمو صبغوا السّماء حدادا ؟

ودّ الطّغاة بكا مطلع كوكب
لو أطفأوه و أسقطوه رمادا

و تخوّفوا و مض الشّهاب إذا هوى
و بروق كلّ غمامة تتهادى

و لو أنهم وصلوا السّماء بعلمهم
ضربوا على آفاقها الأسدادا

لولا لوامع من نهى و بصائر
تغزو كهوفا أو تؤمّ و هادا

لم يرق عقل أو ترقّ سريرة
و قضى الوجود ضلالة و فسادا

راع الطغاة شعاعه فتساءلوا
من نصعلى هذا الكوكب الوقّادا ؟

إن تجهلوا فسلوا به آباءكم
أيّام شعّ عدالة و رغادا

هل أبصروا حرّية إلاّ به
أو شيّدوا لحضارة أوتادا

حملت سناه لهم يد عربيّة
تبني الشعوب و تنسج الآبادا

هي أمّة بالأمس شادت دولة
لا تعرف العبدان و الأسيادا

جرتم عليها ظالمين بعدّكم
و عديدكم تتخايلون عتادا

و منعتموها من مواهب أرضها
ماء به تجد الحياة وزادا

في المغرب الأقصى فتى من نورها
قدخت به كفّ السّماء زنادا

سلّته سيفا كي يحرّر قومه
و يزيل عن أوطانه استعبادا

ما بالكم ضقتم به و حشدتمو
من دونه الأسياف و الأجنادا

أشعلتموها ثورة دمويّة
لا تعرفون لنارها إخمادا

حتّى إذا أوهى القتال جلادكم
و مضى أشدّ بسالة و جلادا

جئتم إليه تهادنون سيوفه
و سيوفه لم تسكن الأغمادا

و كتبتموا عهدا – بحد سيوفكم -
مزّقتموه و لم يجفّ مدادا

***

الأهل أهلك ، يا أمير ، كما ترى
و الدّار دارك فبّة و عمادا

أنى نزلت بمصر و جاراتها
جئت العروبة أمّة و بلادا

مدّت يديها ، و احتوتك بصدرها
أمّ يضمذ حنانها الأولادا

و لو استطاعت ردّ ما استودعتها
ردّت عليك المهد و الميلادا

و أتتك بالذّكر الخوالد طاقة
كأجلّ ما جمع المحبّ و الهادي

و بلوت من صلف الطّغاة و عسفهم
فيها الليالي و السنين شدادا

جعلوا البحار ، و مثلهنّ جبالها
سدّا عليك و أوسعوك بعادا

دعهم ! فأنت سخرت من أحلامهم
و أطرتهنّ مع الرّياح بدادا

عشرين عاما ، قد حرمت عيونهم
غمض الجفون ، فما عرفن رقادا

يتلفّتون وراء كلّ جزيرة
و يسائلون الموج و الأطادا

من أيّ واد .. موجة هتفت به
و مضى ، فحمّلها السلام ، و عادا

لو أنصفوا قدروا بطولة فارس
لبلاده بدم الحشاشة جادا

نادى بأحرار الرجال فقرّبوا
مهجا تموت وراءه استشهادا

يدعو لحقّ أو لإنسانيّة
تأبى السّجون و تلعن الأصفادا

شيخ الفوارس حسب عينك أن ترى
هذي الفتوح و هذه الأمجاد

الرّيف هبّ منازلا و قبائلا
يدعو فتاه الباسل الذّوّادا

حنذ الحسام لقبضتيك ، و حمحمت
خيل تقرّب من يديك قيادا

و على الصّحارى من صداك ملاحم
تشجي النّسور و تطرب الآسادا

أوحت إلى العرب الحداء، و ألهمت
فرسانهم تحت الوغى و الإنشادا

عبد الكريم انظر حيالك هل ترى
إلا صراعا قائما و جهادا

الشّرق أجمعه لواء واحد
نظم الصفوف و هيّأ القوّادا

لم يترك السّيف الجواب لسائل
أو ينس من مترقّب ميعادا

سالت حلوق الهاتفين دما ، و ما
هزّوا لطاغية الشّعوب وسادا

فصغ البيان به ، و أنطق حدّه
يسمع إليك ، مكرّرا و معادا

كذبت مودّات الشّفاه و لم أجد
رغم العداوة كالسّيوف ودادا

***

لهجت قلوب بالذي صنعت يد
شدّت لجرح المسلمين ضمادا

حملت ندى ملك ، و نجوة أمّة
صانت بها شرفا أشمّ تلادا

و حمت عزيزا لا يقرّ ، و أمّنت
حرّا يقاسي الجور و الإبعادا

فاد من الغرّ الكماة مجاهد
تتنازع الآلام منه فؤادا

جارت عليه الحرب ثم تعقّبت
في السّلم تحت جناحه أكبادا

زغب صغار مثل أفراخ القطا
و حرائر بتن السنين سهادا

هو من رواسي المجد إلا أنّه
عصف الزمان بجانبيه فماذا

رجل رأى شرا ، ففادى قومه
و أحس عادية ، فهب ّ ، ورادى

ظلموه هواه إذ أحبّ بلاده
ما كان ذنبا أن أحبّ ففادى !