راقصة الحانة - علي محمود طه

سرت بين أعينهم كالخيال
تعانق آلهة في الخيال

مجرّدة حسبت أنها
من الفنّ في حرم لا ينال

فليست تحسّ اشتهاء النّفوس
و ليست تحسّ عيون الرّجال

و ليست ترى غير معبودها
على عرشه العبقريّ الجلال

دعاها الهوى عنده للمثول
و ما الفنّ إلاّ هوى و امتثال

فخفّت له شبه مسحورة
علت وجهها مسحة من خبال

و في روحها نشوة حلوة
كمهجورة منّيت بالوصال

تراها و قد طوّفت حوله
جلاها الصّبا و زهاها الدّلال

تضمّ الوشاح و تلقي به
و في خطوها عزّة و اختيال

كفارسة حضنت سيفها
و ألقت به بعد طول النّضال

تمدّ يديها و تثنيها
و ترتّد في عوج و اعتدال

كحوريّة النّبع تطوي الرّشاء
و تخذب ممتلئات السّجال

مجيّرة الطّيف في مائج
من النّور يغمرها حيت جال

تخيّل للعين فيما ترى
فراشة روض جفنها الظّلال

و زنبقة وسط بلّورة
على رفرف الشّمس عند الزّوال

تنقّل كالحلم بين الجفون
و كالبرق بين رؤوس الجبال

على إصبعي قدم ألهمت
هبوب الصّبا و وثوب الغزال

و تجري ذراعين منسابتين
كفرعين من جدول انثيال

كأنّهماحولها ترسمان
تقاطيع جسم فريد المثال

أبت تمسّاه بالرّاحتين
و يرضى الهوى ، و يريد الجمال !

و من عجب و عي مفتونة
تريك الهدى و تريك الضّلال

و تلوّى و تسهر كلهّابة
تراقص الجنوب به و الشّمال

و تعدو كأنّ يدا خلفها
تعذّبها بسياط طوال

و تزحف رافعة و جهها
ضراعة مستغقر في ابتهال

و تسقط عانية للجبين
كقمريّة و قعت في الجبال

تبضّ ترائبها لوعة
و تخفق لا عن ضنى أو كلال

و لكّنه بعض أشواقها
و بعض الذي استودعتها اللّيال !!