شهيد ميسلون - علي محمود طه

هبذ الكميّ على النفير الصّادح
مهلا ! فديتك ، ما الصّباح بواضح

أيّ الملاحم بين أبطال الوغى
فجئتك بالشوق الملحّ البارح

فقضيت ليلك لا هدوء و لا كرى
و وثبت في غسق الظّلام الجانح

و الشّرق من خلف الجبال غمامة
حمراء ترعش في وميض لامح

سلت حراب البرق فوق سمائه
هوجاء تنذر بالقضاء الجائح

هي صيحة الوطن الجريح و أمة
هانت على سيف المغير الطّامح

قرنت بحظّك حظّها فتماسكت
ترعى خطاك علر ربى و أباطح

في موكب الفادين مجد أميّة
بجوانح مشبوبة و جوارح

لو قستهم بعدوّهم و سلاحه
أيقنت أنهمو فريسة جارح

الخائضون الفجر بحر مصارع
السّابحون على السّعير اللافح

النّاهضون على السّيوف و تحتها
شتّى جماجم في التّراب طرائح

الرّابضون على الحصون خرائبا
مهجا تضرّم في حطام صفائح

صرعى ولو فتّشت عن أجسادهم
ألفيت ، ما ألفيت غير جرائح

يا ميسلون شهدت أيّ رواية
دموية ، و رأيت أيّ مذابح

و وقفت مثخنة الجراح بحومة
ماجت بباغ في دمائك سابح

تتأملين دمشق يالهوانها !
ذات الجلالة تحت سيف الفاتح !

جرّت حديد قيودها و تقدّمت
شمّاء من جلاّدها المتصايح

نسيت أليم عذابها و تذكرت
في ميسلون دم الشّهيد النّازح

من هبّ في غسق الظلام يحوطها
بدراع مقتتل و صدر مكافح

و تسمّعت صوتا كان هتافه
يا للحبيب المحب لبائح !

أمّاه ! خانتني المقادر فاغفري
قدري ، و إن قلّ الفداء فسامحي !

***

فيحاء إن نصّت حواليك القرى
أعلامها فتزيّنت بمصابح

و تواكب الفرسان فيك و أقبلوا
بالغار بين عصائب و وشائح

و شدا الرعاة الملهمون و أغرقوا
أبهاء ليلك في خضمّ مفارح

أقبلت بين صفوفهم متقرّبا
بأواهري ، مترنما بمدائحي

حيث الشّهيد رنا لمطلع فجره
و رأى الغمائم في الفضاء الفاسح

و تلفّتت لك روحه فتمثلت
وجه البطولة في أرقّ ملامح

حيث الرّبى في ميسلون كأنّما
تهفو إليه بزهرها المتفاوح

و كأنما غسلته بغدادية
بدموع ملك في ثراك مراوح

اسعى إليه بكل ما جمعت يدي
و بكلّ ماضمّت غليه جوانحي

و هو الجدير بأن أحيّي باسمه
في الشرق كلّ مناضل و منافح

من كلّ حرّ ، نافض مما اقتنى
يده ، و وهّاب الحشاشة مانح

أو كلّ فاد بالحياة عشيره
لا القول في خدع الخيال السّانح

***

قل للدعاة المحسنين ظنونهم
بالغرب ماذا في السّراب لماتح ؟

لا تغرينكمو وعود محالف
يطأ الممالك بادّعاء مصالح

تمضي السنون و أنتمو من وعده
تتقبلون على ظهور أراجح

و الله لو حسر القناع لراعكم
قبر أعدّ لكم و خنجر ذابح

من كلّ مصاص الدّماء منوّم
يدعى بمنقذ أمة و مصالح !

يا يوسف العظمات غرسك لم يضع
و جناه أخلد من نتاج قرائح

قم لحظة و انظر دمشق و قل لها
عاد الكميّ من النّفير الصّادح

و دعاك يا بنت العروبة فانهضي
و استقبلي الفجر الجديد و صافحي !