بحيرة كومو - علي محمود طه

هيئي الكأس و الوتر
تلك كومو مدى النّظر

و اصدحي يا خواطري
طويت شقّة السّفر

و دنت جنّة المنى
و حلا عندها المقر

قد بعثنا بها على
موعد غير منتظر

في ماء كأنّه
حلم الشّيخ بالصّغر

البحيرات و الجبا
ل توشّحن بالشّجر

و تنقّبن بالغما
م و أسفرن للقمر

و البرونات غادة
لبست حلّة السّهر

نثرت فوقها الدّيا
ر كما ينثر الزّهر

و عبرنا رحابها
فأشارت لمن عبر

هاكها قبلة ، فمن
رام فليركب الخطر !

فسمونا لخدرها
زمرا تلوها زمر

في زجاج محلق
لا دخان و لا شرر

يتخطى بنا الفضا
ء على السّندس النّضر

سلّم يشبه الصّرا
ط تسامى على البصر

فإلى النّجم مرتقى
و إلى السّحب منحدر

و حللنا بقمّة
دونها قمّة الفكر

بهج في كنوزها
للمحبّين مدّخر

بابل ؟ أم بحيرة ؟
أم قصور من الدّر؟

أم رؤى الخلد في الحيا
ة تمثّلن للبشر ؟

حبّذا أمسياتها
و حنينا إلى البكر

و نزوعا إلى السّفيـ
ـن تهيّأن للسّفر

نسيت شغلها القلو
ب و هلّلن للسّمر

أوجه مثلما رنت
زهرة الصّيف للمطر

أضحيانيّة السّما
ت هلالية الطّرر

يتوهّجن بالشّبا
ب و يندين بالخفر

طلعة تسعد الشّقيّ
و تعطي له العمر

تمنح الحظّ من تشا
ء ، و تبيقي ، و لا تذر !

إنّما تنظر السّما
ء إلى هذه الصّور

لترى الله خالقا
مبدعا ، معجز الأثر

شاعر النّيل طف بها
غنّها كلّ مبتكر

الثلاثون قد مضت
في التّفاهات و الهذر

فتزوّد من النعـ
ـيم لأيّامك الأخر

أين وادي النّخيل أم
قاهريّاته الغرر؟

لا تقل أخصب الثّرى
فهنا أوراق الحجر !!

ههما يشعر الجما
د و يوحي لمن شعر !

آه لولا أحبّة
نزلوا شاطئ النّهر

و رفات مطهّر
و كريم من السّير

لتمنّيت شرفة
لي في هذه الحجر

أقطع العمر عندها
غير وان عن النّظر

فلقد فاز من رأى
و لقد عاش من ظفر

***

يا ابنة العالم الجديـ
ـد صلي عالما غير غبر

في دمي من تلااثه
نفحة البدو و الحضر

و أغان لمن شدا
و معان لمن فخر

ما تسرّين ؟ أفصحي !
إنّ في عينيك الخبر

الغريبان ههنا
ليس يجديهما الحذر

نحن روحان عاصفا
ن و جسمان من سقر

فاعذري الرّوح إن طغى
و اعذري الجسم إن ثأر

نضبت خمر بابل
و هوى الكأس و انكسر

و هنا كرمة الخلو
د فطوبى لمن عصر

فيم ، و النبع دافق،
يشتكي الظّامئ الصّدر ؟

و لمن هذه العيون
تغمّرن بالحور ؟

بتن يلعبن بالنّهى
لعب الطّفل بالأكر

هنّ أصفى من الشّعا
ع و أخفى من القدر

و لمن توشك الثّدى
وثبة الطّير في السّحر ؟

كلّ إلف لإلفه
همّ بالصّدر و ابتدر

عضّ في الثّوب و اشتكى
وطأة الخزّ و الوبر

سمة الطّائر المعذّ
ب في قيده نقر

و لمن رفّت المبا
سم و استرسل الشّعر ؟

ثمر ناضج الجني
كيف لا نقطف الثّمر

ما أبى الخلد آدم
أو غوى أو عثر !

زلّة تورث الحجى
و تري الله من كفر !

كأسنا ضاحك الحبا
ب ، مصفّى من الكدر

فاسكبي الخمر و ارشفيـ
ـه على رنّة الوتر

و إذا شءت فاسقنيـ
ـه على نغمة المطر

فغدا يذهب الشبا
ب و تبقى لنا الذّكر