على النيل - علي محمود طه

أخي ! إن وردت النّيل قبل ورودي
فحيّ ذمامي عنده و عهودي

و قبّل ثرى فيه امتزجنا أبوّة
و نسلمه لابن لنا و حفيد

أخي ! إن أذان الفجر لبّيت صوته
سمعت لتكبيري و وقع سجودي

و ما صغت قةلا أو هتفت بآية
خلا منطقي من لفظها و قصيدي

أخي ! إن طواك الليل سهمان سادرا
نبا فيه جنبي و استحال رقودي

أخي ! إن شربت الماء صفوا فقد زكت
خمائل جنّاتي و طاب حصيدي

أخي ! إن جفاك النهر أو جفّ نبعه
مشى الموت في زهري و قصّف عودي

فكيف تلاحيني و الحاك ؟ إنّني
شهيدك في هذا .. و أنت شهيدي !

حياتك في الوادي حياتي ، فإنّما
وجودك في هذه الحياة وجودي

***

أخي ! إن نزلت الشاطئين فسلهما
متى فصلا ما بيننا بحدود ؟

رماني نذير السّوء فيك بنبأة
فجلّل بالأحزان ليلة عيدي

و غامت سمائي بعد صفو و أخرست
مزاهر أحلامي و مات نشيدي

غداة تمنّى المستبد فراقنا
على أرض آباء لنا و جدود

و زفّ لنا زيف الأماني علالة
لعلّ بنا حبّ السّيادة يودي

أخوّتنا فوق الذي مان ة ادّعى
و ما بيننا من سيّد و مسود

إذ قال الإستقلال فاحذره ناصبا
فخاخ احتلال كادّهور أبيد

و كم قبل منّاني ، على وفر ما جنى
بحربين ، من زرعي و ضرع وليدي

فلما أتاه النّصر هاجته شرّة
فهمّ بنكراني و رام جحودي

ألا سله ، ماذا بعد سبعين حجة
أأنجز من وعد ؟ أفكّ قيودي ؟

يبدّلني قيدا بقيد كأنّه
مدى الدّهر فيها مبدئي و معيدي

أخي ! و كلانا في الإسار مكبّل
نجرّ على الأشواك ثقل حديد

إذا لم تحرّرنا من الضّيم وحدة
ذهبنا بشمل في الحياة بديد

و ما مصر و السودان إلاّ قصيّة
موحّدة في غاية و جهود

سئمنا هتاف الخادعين بعالم
جديد ، و لمّا يأتنا بجديد

و جفّت حشاشات و عدن بمائه
فلما دنا ألفت سراب وعود

و طال ارتقاب السّابغين لناره
على عاصف يرمي الدّجى بجليد

إذ يدنا لم تذك نار حياتنا
فلا ترج دفئأ من وميض رعود

إذا يدنا لم تحم نبع حياتنا
سرى ريّه سمّا بكلّ وريد

سيجريه ما شئت مطامع قومه
و يحبسه ما شاء خلف سدود

و كيف ينام المضعفون و حولهم
ظمأ نسور أو جياع أسود ؟

أخي هل شهدت النيل غضبان ثائرا
يرجّ من الشطآن كلّ مشيد !

جرى من مصبّيه شواظا لنبعه
على نفثات من دم و صديد

و جنّات نخل واجمات كواسف
و أسراب طير الفلاة شريد

لدى نبأ قد ريع من حمله الصّدى
و ضجّ له الموتى وراء لحود

جنوبك فيه و الشّمال تفزّعا
لتشتيت أهل و انقسام صعيد

أحال ضياء الصّبح حولي ظلمة
بها الحزن إلفي و الهناء فقيدي

و سعّر أنفاسي فأطلقت نارها
على الظالم الجبّار صوت و عيد

أرادك مفصوم العرى و أرادني
بهدم إخاء الجبال مشيد

ليأكلنا من بعد شلوا ممزّقا
كطير جريح في الشّباك جهيد

تحاليل شيطان الأساليب لم يدع
مجالا لشيطان بهنّ مريد

***

على النيل يا ابن النيل أطلق شراعنا
و قل للياليه الهنيّة : عودي

و أرسل على الوادي حمائم أيكه
برنّة و لهى أو شكاه عميد

و قل : يا عروس النّبع هاتي من الجنى
و دوري علينا بالرّحيق وجودي

و هبّي عذارى النّخل فرعاء و ارقصي
بخضر أكاليل و حمر عقود

ألا يا أخي و املأ كؤوس محبّة
مقدّسة موعودة بخلود

إذا هي هانت فانع للشّمس نورها
و للقمر السّاري بروج سعود

و قل : يا سماء النيل ويحك أقلعي
و يا أرض بالشّمّ الرّواسخ ميدي

و غيضي عيون الماء ! أو تفجّري
لظّى ، و إن استطعت المزيد فزيدي !