بغداد - رشيد ياسين

بغدادُ كانت –مثلما تَروي لنا الأسفارْ-
أميرة ً ترفل بالحريرِ والنُّضارْ…
إن ْ أَومأَت ْ بإصبعٍ من يدها اليمينْ
خرَّ لها كلُّ عتاة الأرض ِ ساجدينْ !
وفي المساء ، عندما تغتسل النجوم في دجلهْ
ويرسمُ النخلُ على صفحته ظلَّه
كانت على شرفتها فاتنة ُ الزمانْ
تصُغي ، وقد حفَّ بها السُمّارُ والقِيانْ ،
إلى النُواسيَِّ وقد آبَ من الحانه
يبثّ في خمائل الشطّين ألحانَهْ ،
وتحملْ الريحُ إلى أسماعها الُحداءْ
تمشي على إيقاعه القوافلْ
مُثقلة َ الأكوار بالصَندل ِ والحنّاء ْ ‘
وغُنوة َ البحَّارة ِ الآتينْ
بالخزّ والعنبر والتوابلْ
من جُزُر الهند وما جاورها ومن بلاد الصينْ !
بغدادُ ! أيّ ُ حاضرٍ تشهدُه بغداد !!
كيف غَدتْ أسيرة ًتنوءُ بالأصفادْ ؟!
عارية ًتُسحبُ فوق الجمرِ والقتادْ ؟!
كيف تهاوى تاجها الوضّاء في الوحولْ ؟
ولم يَدع جلاّدُها الصفيقْ
من سحرها ومجدها العريقْ
شيئاً سوى الفاقةِ والطلولْ ؟!
بغدادُ ، يا بغدادْ !
أيّ ُمصير فاجعٍ هذا الذي أراهْ ؟!
أبناؤك ِ الأُباهْ
أبصرتهم في مُدن ِ الأغراب ْ
أذلةً تُسدُّ في وجههمُ الأبوابْ !
بناتُك ِ المشرَّدات في بلاد اللهْ
فيهن من تثوي بلا قوتٍ على الرصيفْ
ومن تبيعُ العِرضَ بالرغيفْ
لكي تُردَّ الجوع عن اطفالها …
أوّاه ، يا بغداد !
كيف تواطأنا فأسلمناكِ للجّلادْ؟
ماذا ستروي في غدٍ عن عارنا الأحفادْ ؟!
__________
صوفيا -1995