ثورة الحسيـن - رشيد ياسين

حدّثينا عن يومه المأثور
ِ وارفعي عنه حالكات الستور

وابعثيه يا ذكرياتُ دموعاً
في المآقي ولوعة ً في الصدور

وأنيري للخابطين بديجور ِ
العَمايات والضلال الكبير ِ

صفحة ً للجهاد قد سطّرتها
رُسُلُ الحقَّ بالنجيع الطهور

* * *

حدّثينا عن وثبةٍ أرعب
الطاغوتَ مالوَّحت به من نذير

فأفاقتْ ندامُهُ، وهوى
الكأسُ ، ومادت جوانب الماخور

وانجلتْ ظلمة الخنوع فهبّت
زمَر المسلمين للتكفير

فإذا الشام ملعبٌ للمنايا
وإذا الملكُ كالحُطام النثير

وإذا الغاصبون من آل حرب ٍ
بعد زهو ٍ وسطوة ٍ وغرور

شرَّدٌ كالنعاج أرعبها النصلُ
ففرّتْ ومالها من مجير

ذاك عرش الطاغوت قام على الرَّقَّ
فألوى به انتفاض الأسير

* * *

يا ربوعَ العراق كم خضّبت ْ أرضكِ
أهواءُ مارق ٍ شرّير !

كم أثيم ٍ أقام فيك ِ على الأشلاء ِ
أركانَ عرشهِ والسرير

كم شهيد ٍ ، دماؤه كنَّ زيتاً
لسراج الآمال في الديجور

يا ربوع العراق ، عودي بهاتيك
المآسي من نائيات العصور

وصفي موكبَ الحسين وقد قام
يلّبي ضراعة المستجير

ومضى يقطع الصحارى مغذا ً
بين رمل ٍ من لفحها وهجير

قاصداً كربلاءَ حتى إذا ما
أنزلته فيها يد المقدور

ومضى يسأل الأُلى بايعوه
بعهود الخداع والتغرير

كيف باعوه بعد أن بايعوه؟
هل لهذا السلوك من تفسير ؟!

لم يجد غير أنفس ٍ دنّستْها
شهواتٌ مسعورةٌَ في الصدور

زُمَر باعتِ الكرامة بالما ل
وداست على النهى والشعور

وأتتْ تحمل الحسين على طاعة
جبّارها الأثيم الكفور

فانبرى سيّدُ البرايا حسينٌ
صارخاً في قطيعها المأجور

يا عبيد الطغاة من آل سفيانَ
ويا باعةَ التقى بالفجور

لم أجيء طامعاُ لديكم بملك ٍ
رفعتْهُ مقوَّسات الظهور

فنفوس الهداة ترغب عمّا
تهب الأرض من متاع ٍ حقير

إنما جئتكم أُلبّي نداءاً
جاء منكم إليَّ عبر السطور

هي ذي كتْبكم معي شاهداتٌ
أنكم تحلُمون بالتغيير

وبأني آت ٍ لإصلاح دين ٍ
أفسدوه بالمَيْن ِ والتزوير

ولإنقاذ أمّة ٍ أصبحت محضَ
عبيد ٍ لفاسق ٍ سكّير

يا ضحايا الشرور جئتُ أقيكم
بكياني إعصارَ تلك الشرور

فإذا كنتم انقلبتمْ رياءاً
خشية ً من أذى ولاة الأمور

ونكلتم عن نُصرة الدين جبناً
وجريتم وراء بعض القشور

فاتركوني ولا تقيموا سدوداً
في طريقي تصدّني عن مسيري

اتركوني ..فلن أبايعَ مَنْ بالكيد
والزيف ِ نال وصفَ الأمير ِ

فتروّوا حيناً وأصغوا ، ولكنْ
بقلوب ٍ كأنها من صخور

ثم كرَّتْ جموعُهم كذئا ب ٍ
لا تبالي بشِرعة ٍ أو ضمير

واستحرّ القتا لُ ..جيشٌ لُهامٌ
يتصدى لحرب جمع ٍ صغير

ورجال الحسين يهوون صرعى
بعد شوط ٍ من الصراع المرير

وانجلى النقعُ والحسين وحيدٌ
ماله في جهاده من نصير

يتناهى إليه نَوح ُ نساء ٍ
باكيات ٍ ، وصوتُ طفل ٍ صغير

يطلب الماء َ، والفرات قريبٌ
إنما ليس وردُه بيسير

فانتضى سيفه وهبَ إلى الباغين
غضبان ، هازئاً بالمصير

دائراً في جموعهم يزرع الموتَ
فتعدو كأرنب ٍ مذعور ِ

ومضى في القتال وهو يروّي
حوله الأرض بالنجيع الغزير

فارسٌ متعبٌ يواجه جيشاً
ذا حشود ٍ وذا سلاح ٍ وفير

أمطروه بوابل من سهام ٍ
كشآبيب َ من سحاب مطير

وأحاطوا به كرهط ِ كلاب ٍ
جُوَّع ٍ أحدقتْ ببعض الجزور

فهوى عن جواده ، يلفظ الروح
لتبقى ذكراه عبر الدهور

ومضى يكمل الجريمة وغدٌ
آمراً قومه بحزّ النحور

علّ هذا يُزيلُ عند يزيد ٍ
فَزعاً لم يُزله شربُ الخمور

وبأن يرسلوا اليه سبايا
من تبقّى حيّا ً ومنْ في الخدور

* * *

يا شهيدَ الوفاء ، كم من شهيد ٍ
فجّر النورَ من ظلام القبور !

يا رسول الجهاد ، في كل قلب ٍ
أنتَ جرحٌ مخضّبٌ بالنور

أنت حادي الأقوام إن غام مرقاها
وألقتْ زمامها لأجير

كنتَ في أمسِك البعيد وتبقى
صورة ً للإباء ِ دونَ نظير

________________

البصرة 1949