نصفُ نُوتة - فاطمة ناعوت

رتَّبا المساءَ إذن
على النحو الذي
يليقُ بشاعريْن.
يمكنُ لشاعرٍ
أن يشقَّ البحرَ بخنصرِه
يروِّضَ المعاركَ ،
يلهو بقطعِ الكونِ فوق طاولتِه ،
ثم يُخرجَ من جيبِ سترتِه حفنة شهبٍ
ينظِمُها عُقدًا لامرأتِه.
وحدَه الشاعرُ
من أقنعَ التاريخَ
بالتنحّي.
رتَّبا المساءْ ،
بعدما أغلقا النافذةَ
على الصواريخِ ذاتِ الرؤوسِ ،
وأقدامِ المارينز صوب دجلةَ ،
أغمضا عن عيونِ الثكلاواتِ
لأن الخنساءَ
لم تقرأْ "سوزان برنار" ،
وآذارَ
وقتُ الحياةْ.
قالَ :
لنا جبهةٌ أخرى :
ساحةُ الورقِ
و طلقاتُ المدادْ ،
ثم إنَّا من نشجبُ القراراتِ
وننددُ بخرقِ معاهدةِ جنيف ،
عدا فائدتنا
في استشعارِ الخطرْ
على قولِ" عبد الصبور "
حين قارنَ بين الفئرانِ
وبيننا.
ثم قرأ قصيدتَه.
قالت :
لأني أمتلكُ حدسَ الشعراءِ:
فإن معركةَ التحريرِ النظيفةَ
ستغدو احتلالاً
بعد واحدٍ وعشرين يومًا ،
ولأن شاعرًا نصفَ كلاسيكيٍّ
قال قولةً أحببتُها ،
و لبعد الحداثةِ
أن تتفوقَ بحسِّها الحياديّ ،
وبما أن عشراتِ الدواوين ستُكتبَ ،
أبادرُهم قائلةً:
"إلى بغدادَ طريقٌ واحدٌ
يَمرُّ من فوهةِ
قلمْ !"
أنهيا القصيدتين .
افترشا أرضَ الردهةِ
ببساطِ كرداسةَ ،
غلَّفا الحيطانَ بالأفرخِ الزرقاءْ
و إصداراتِ العامِ الجديدْ ،
أحكما عوازلَ الصوتِ
و أعدّا المقاعدَ للأوركسترا .
بائعُ القناديلِ وفيروزْ
تورطّا في الأمرِ سريعًا ،
فتحدثَ النِّفَّريُّ
عن اتساعِ الرؤيةِ وضيقِ التنفسِ ،
بينما استسلمَ ناجي للرَمَلِ
و أطلالِ الموصِلِ وقَسوةِ الحبيبةِ وحزبِ البعثْ ،
و اعتذرَ " أبو نواس " عن المجيء.
يتكلمونَ عن الاثنين وثلاثينَ إنذارًا
وقرارِ نزعِ السلاحْ ،
والبنتِ
- ذات الـ تي شيرت الأحمرْ -
التي دهستْها الشاحنةُ قبل يومين ،
أمامَ مجلسِ الأمن.
يتكلمونْ
عن المرأةِ التي التقطتْ حبيبَها
من جوارِ السفارةِ البريطانيةِ ،
ليبتكرا مساءً
يخصُّ الشعراءَ وحسبْ .
مساءً
أجادَ صنعَه المدعوون
المقاعدُ الخاليةُ ، و الأبنوديُّ
بياعُ القناديلِ وسجادُ كرداسةَ ،
و الألمْ .
وحدَه " نصير شمّة "
من أفسدَ الخُّطةَ ،
إذ اعترضَ على اختيارِ هذا المساءِ تحديدًا
فحذفَ نصفَ النوتةِ
ردًّا
على قصفِ بغدادْ !