إلا الشعر يا مولاي - فتحي سعيد

كان السلطان الجالس في قصرهْ
يغتبق فقال لشاعر عصرهْ
والشمسُ بقايا تنحدر رويدًا خلف الأشجارْ
شفَّت كالكأس مزاجٌ من كافورٍ ولُـجينٍ ونُضارْ
قال السلطان وقد حفّ السمّارْ
عَلِّمني يا ربَّ الأشعارْ
عَلِّمني الحكمة والصمتْ
وفنَّ اللعب على هاتيك الأوتارْ
علّمني الفطنة واللغوْ
وتاريخ الفُلْك وفنَّ الإبحارْ
علّمني فنَّ العوم مع التيارِ
وضدَّ التيارْ
علّمني المنطق والجبرْ
وأصل العائلة وفلسفة التيجانْ
علّمني الموسيقا
كي أعزف أغنيةً حين يجنّ الليلُ
وتدركني الأشجانْ
علِّمني الرقصَ
لأعقدَ خصر حبيبي بالكفينْ
نكاد نذوب مع الألحانْ
علِّمني الرسمَ
لأرسمَ وجه حبيبي
حين يطلّ وتأسرني العينانْ
قال الشاعر للسلطانْ
ذلك ميسورٌ «يا مولايْ»
اغرفْ من نبع المعرفة كما شئتَ
فلا حرجٌ على الملك النعمانْ
أن يتقنَ فنّ العزف على مختلف الألوانْ
كان السلطان الجالس في قصرهْ
يغتسل فقال لشاعر عصرهْ
وفتاتُ المسك يضوعُ
وعبقُ العنبر يعبق في البستانْ
والشمسُ شعاعٌ يحبو كالطفلْ
يتسلّق سور الشرفة والأغصانْ
قال السلطان وقد ثمل الندمانْ:
عَلِّمني يا شيخَ الكهانْ:
عَلِّمني الشعرَ
فإن الشعر خلود الأزمانْ
نَفَسٌ قد قيل من الرحمنْ
عَلِّمنيهِ
فإنك أدرى بالقافية وبالخافية من الأوزانْ
علِّمني كيف أصوغ من الكلماتِ
عقودَ اللؤلؤ والمرجانْ
وأتوِّج جيدَ حبيبي
بقلادة درٍّ ولجينٍ وجمانْ
وأطرِّز بالنظم الذهبيِّ
قوائمَ عرشي والأركانْ
اجعلني فارس هذا الميدانْ
وسيّد كلّ الفرسانْ
لا تجعلْ في الشعر ولا في الشعراء سوايْ!
قال الشاعر للسلطانْ
علمتك كلّ فنون الإنسانْ
وحكيتُ بألسنة الطيرِ
وألسنة الجِنة والإنسِ
وألسنة الحيوانْ
أما الشعرُ فعذرًا يا مولايْ .