دعوة - فتحي سعيد

لا تخرج من بيتك
لا داعي أن تخرج من بيتك
اقبع في ركن منه, و أوصد بابك
مثل القابع في داره
مثل الآمن في غاره
بابك محرابك, فتعبَّد
و تفيأ ظلَّ جداره
و تنعَّمْ بضجيج صغاره
فالعالم في الخارج معتوه
قد جُنَّ فعربد
و الطقس كئيب و ملبَّد
و البرد شديد...فتشدد
البرد شديد هذا العام
و الأفق غمام
و جبين العاصفة تفصَّد
ثلجا أسود
فاشدد في صمت أوتارك
و تدثر...لا تبرح دارَك
إن تخرج...تزدد
لا تخرج من بيتك
اقبع في دارك
تربح
و احتمل العزلةَ, و تعوَّد
أغلق شباكك, لا تأمن لهبوب الريح
للنسمة أذنان
و للجدران
عينان...و لليل فحيح
و الجو ردىء و مُعبَّأ
و الخمرةُ أردأ
فاشرب و تداوَ من نفس الداء
صحوك أسوأ
و جميع الأشياء سواء
و شتاؤك قاس فتزوَّد
و أعدَّ نبيذا و عشاء
و اقدح نارك
أحرق في نارك أشعارَك
فالشِعر تجمد
في زمني...و الحرف تجعَّد
لا تخرج من بيتك, و الزم دارك
تأمنْ عارَك
و التَحِف الصمت...تفرَّد
امكث عند المنضدة و وسِّع أذنيك
و اسمع
بل أغلقها, حتى لا تسمع
و افتح عينيك
أغلقها, حتى لا تحلم
يسرقك الحُلم فلا ترجع
و ابق مكانك منتظرا
لا داعي أن تنتظر...تمدد
و امسك أعصابك...لا تفزع
وسِّد قدميك المقعد
سيطول بك الأمر...تجلَّد
لا تخرج من باب البيت
لُذ بالصمت
كن منفردا حتى الموت
وحدتك صديقتُك...توحَّد
بالوحدة يأتي العالَم لك
و يدق الباب عليك
لا تعبأ
لا تفتحْ للطارق بابا
سيجىء إليك
سيجىء بنفسه
يتسلل
كي يحسر عنه نقابا
و سيذهل
و يخرُّ على قدميك
فتمرَّد
لحظتها...لن يملك إلا أن يتلوَّى
يتلوَّى بين يديك .