صوت من المخيم - محمد التهامي

من قديمٍ ألِفتُ هـذى الحكايـهْ
طولَ عمري فقد نسيتُ البِدايـهْ

بين قَتْلِى ومولـدي مُفْزِعـاتٌ
هن عمري ومسرحي والروايهْ

تَخْلِطُ المـوتَ بالحيـاةِ ففيهـا
ليس للعمر مُبْتَـدى أو نهايـهْ

تارةٌ يسبـقُ الفنـاءُ وجـودي
قبل نَبْضِ الحياة تسعى الجِنايهْ

طالما شُقَّت البطـونُ الحبَالـى
فانتهت مُضْغَةٌ وصارت نُفايهْ

أو هوَىَ المهد فاستُرِدَّت حيـاةٌ
ما لها بالحيـاةِ أدْنـى دِرايـهْ

أو عَوى مدفعٌ فطارت رءوسٌ
خندقت حولنا تصـدُّ الرمايـهْ

* * *

أصبح القتلُ في حياتي طريقًـا
ورفيقًا على الطريـق وغايـهْ

صار اسمي إذا ذُكِرتُ بأرضٍ
عن قتيلٍ بغيـر ذنْـبٍ كنايـهْ

حلَّ ذَبْحِي لكل مَنْ كان حتـى
بالغوا فيـه حِرْفَـةً وهِوايـهْ

غار أهْلي من العـدا فتَبَـارَوْا
ثم صاروا أشدَّ منهـم نِكايـهْ

وزَّع القتلَ في المخيـم رهـطٌ
كان في وَهْمِنا رسولَ العنايـهْ

يَفْجَعُ القتـلُ إن رَمَتْـهُ يميـنٌ
كنت في حضنها نشدْتُ الرعايهْ

قد قصدنا حماهُـمُ ليـت أنَّـا
ما لجأنا ولا نَشدنَـا الحمايـهْ

* * *

عربدَ الغولُ حين أُوهـم أنَّـا
قد فقدنـا غِطاءنـا والوِقايـهْ

وتولَّى مـن راحتينـا سـلاحٌ
وزَّعتْه الرياحُ في كـل غَايـهْ

وغدونـا لكـل غـاوٍ متاعًـا
يبتغيـه ويستَطِيـبُ الغِوايـهْ

فانبرى يزعـم الولايـة فينـا
حاسبًا أن يُدِيَر فينا الوصايـهْ

فإذا العزمُ شامخٌ فـي حمانـا
ولـه وَحْـدَه تعـزُّ الولايـهْ

ذلك الكائـنُ العجيـب لشعـب
قد بنَتْهُ الخطوب أعْتَـى بنايـهْ

كل طفل وطفلة فيـه صَخْـرٌ
مَنْبِتٌ في ذُرا فلسطيـنَ رايـهْ

* * *

رُوِّعَ الغولُ حيـن أدرك فينـا
لكثير مـن الأعاجيـبِ آيـهْ

نحن والقَتْـل كالمحبيـن ذابَـا
في غـرام ولوعـةٍ وشِكايـهْ

قـد تمـادى لقاؤُنـا فائتلفنـا
لا عزولٌ يصدُّنـا أو وِشايـهْ

كم سَعَى بيننـا سُعَـاةٌ كِثَـارٌ
ثم ولت ولـم تُعَقِّـبْ سِعايـهْ

إن ضللنا لقاءنا بعـض يَـوْمٍ
عاودتنـا فجمَّعَتنـا الهِـدايـهْ

* * *

فانظروا فالحياة والموت فينـا
واحد، واشهدوا، كفاكم عمايـهْ

ليس من مات راحلاً بل مقيمًا
مثل من عاش يستحث النهايـهْ

كائنٌ قد تحـارُ فيـه البَرايَـا
صامدٌ خالـد يعيـد الحكايـهْ

قد أذهلَ الهَوْلَ أننـا لا نـراه
بل نرى فيه ما استحق الزرايهْ

حَيَّر الغولَ أننـا قـد كشفنـا
أن هذا العواء بعض الدعايـهْ

أنبتَ القهرُ مخلبًا فـي يدينـا
وسقى الناب بالسمـوم سِقايـهْ

لنذيـقَ البعيـدَ عنـا عذابًـا
ونُرَبِّى القريـبَ منـا رِبَايـهْ

قد أكلنا لحومهم حيـن جعنـا
عَطَّلً الشَّرْعُ في المجاعات آيهْ

وسحقنـا عظامهـم وحفظْنَـا
ها لنلقى لَدَى الحصارِ الكفايـهْ

ذاك بَعضٌ من الـذي قَدَّمُـوه
فعَلَى مَنْ جَنَى نَـرُدُّ الجِنايـهْ

ونعيشُ الحياةَ طولاً وعرضًـا
ليتم الرجوعُ هَـذى الروايـهْ