الـمَـزَامِـيـرُ - سعد الياسري

(أَنَاشِيدُ الشَّكِّ وَ الحُبِّ وَ الاِغْتِرَابِ)
*
المَزْمُورُ الأَوَّلُ :
I
لَهَا مَا تَيَسَّرَ مِنْ شَهْوَةِ الضِّدِّ ؛
صَوْتٌ كَنَبْرَةِ حُزْنِ الهَدِيلِ ،
لَهَا سُمُّ أَفْعَى ، وَ عِطْرُ البَنَفْسَجْ ،
لَهَا حِضْنُ أُمِّي ..
رَؤُومًا يُلَمْلِمُ (سَعْدًا) بِرَحْمَةْ ،
لَهَا نِيَّةُ الطُّهْرِ عِنْدَ الوُضُوءِ ،
وَ رِجْسُ الخِيَانَةْ ،
وَ دِيبَاجُ سُنْدُسْ ،
وَ أَسْمَالُ زُهْدِ ،
لَهَا نَشْوَةُ الخَمْرِ حِينَ العِنَاقِ ،
وَ قَوْلٌ كَعَلْقَمْ ،
لَهَا حُلْمُ أُنْثَى ، وَ تَحْلِيقُ عِشْقٍ ، و رَغْبَةُ غَيْمٍ يُؤَاخِي الهُطُولَ ،
لَهَا أُغْنِيَاتُ الرُّعَاةِ الجَزِيلَةْ ،
وَ لَذَّةُ حُبِّ الإِلَهِ بِفِطْرَةْ ،
لَهَا صِدْقُ (مَرْيَمَ) .. بَغْيُ (سَجَاحِ) ..
لَهَا مَنْطِقُ الشِّعْرِ حِينَ العِتَابِ ،
وَ سَوْرَةُ غَيْظٍ ،
وَ أَشْيَاءُ طِفْلَةْ ،
لَهَا كُلُّ هَذَا ؛ فَكَيْفَ تُرَانِي أُعَرِّفُ فِكْرَةْ .. ؟!
II
وَ شَيَّعْتُ نَبْضِي عَلَى آلَةِ الحُلْمِ ؛
قُلْتُ القَصِيدَةُ تُلْغِي المُحَالَ ..
فَلاَ جَاءَ مَعْنَىً ،
وَ لاَ صَالَ وَصْفٌ ،
وَ لاَ سَارَ نَجْمٌ ، وَ لاَ جَالَ بَدْرٌ ،
وَ لاَ فَرَّ نَهْدٌ ، وَ لاَ اِحْمَرَّ خَدٌّ .. !!
وَ قُلْتُ الكَثِيرَ عَنِ (الفَيْضِِ) إِذْ مَا تَلاَقَحَ سِرًّا بِسِرْبِ الغُيُومِ ،
وَ قُلْتُ النَّبِيُّ يَنَامُ الظَّهِيرَةَ ..
بَعْدَ الظَّهِيرَةِ يَهْبِطُ وَحْيٌ وَ يَخْضَرُّ حَرْفٌ ،
وَ قُلْتُ القَصِيدَةُ تُفْشِي ؛
وَ أَنْتُمْ جُنُودُ الوِشِايَةِ ..
لاَ تَفْضَحُونِ .. !!
III
أَيَا لَيْتَ شِعْرِي ؛
بِمَاذَا نُثَقِّفُ نَصْلَ المَعَانِي .. وَ حَدَّ المَجَازِ .. ؟
وَ لَيْسَتْ بِدَارِ القَصِيدَةِ إِلاَّ بَقَايَا الطُّلُولِ .
وَ مَاذَا نَقُولُ :
عَنِ الحُلْمِ حِينَ اِخْضِرَارِ السَّرِيرِ .. ؟
عَنِ النَّارِ فِي جَسَدِ العَاشِقَيْنِ .. ؟
عَنِ النَّبْتِ فِي أُصُصِ البَاذِرِينَ .. ؟
عَنِ المَاءِ أَهْرَقَهُ العَابِثُونَ .. ؟
عَنِ الحَرْفِ ؛
أَرْضَى شُعُورَ الأُمُومَةِ عِنْدَ الدَّوَاةِ .. ؟
عَنِ الحِبْرِ فِي نَزَقِ الكَاتِبِينَ .. ؟
عَنِ الشِّعْرِ فِي هَذَرِ النَّاثِرِينَ .. ؟
عَنِ الطُّهْرِ ضِيِعَ بعَهْرِ الغُوَاةِ .. ؟
وَ مَاذَا القَصِيدَةُ غَيْرُ اِرْتِعَاشِ الحُرُوفِ ..
وَ نَقْشٍ بِصَدْرِ الفَتَاةِ .. ؟!
وَ مَاذَا الجُنُونُ ..
سِوَى أَنْ يَكُونَ الجُنُونُ حَيَاةْ .. ؟!
IV
كَانُوا كَطَيْفٍ ، وَ كُنْتُ الحَدَقْ ،
وَ كَانُوا اِحْمِرَارَ خُدُودِ الصَّبَايَا ،
وَ كَانُوا اللُّحُونَ ،
وَ كَانُوا الوَتَرْ .
وَ كَانُوا حُقُولاً مِنَ الضَّوْءِ ،
كَانُوا اِشْتِعَالِي ،
وَ كَانُوا هُطُولَ البَرَدْ ،
وَ كَانُوا اِرْتِيَابِي .. وَ لُجَّةَ شَكْ .. !!
V
يُرَاوِدُ حَرْفِي جُنُونَ المِدَادِ ؛
وَ يَفْجُرُ فِي مُحْصَنَاتِ المَقَالِ ،
وَ شَيْخُ القَصِيدَةِ يَأْبَى الصَّلاَةَ عَلَى أُغْنِيَاتِي ..
وَ جُثْمَانِ شِعْرِي ،
كَأَنَّ الصَّلاَةَ عَلْى الشِّعْرِ كُفْرْ .. !!
VI
وَ حِينَ وَقَفْتُ عَلَى مَفْرَقِ الحَقِّ عِنْدَ الأَصِيلِ ؛
تَجَلَّتْ دَلاَلَةُ مَعْنَى الوُصُولِ ،
وَ قُدَّتْ – بِخُبْثٍ - ثِيَابُ المُسَافِرِ ..
قِيلَ سَتَرْجِعُ كَيْمَا تُصَلِّي عَلَى الأُمْنِيَاتِ صَلاَةً أَخِيرَةْ ،
وَ قِيلَ بِأَنَّ الأَرُومَةَ تَنْأَى ،
وَ أَنْتَ كَجِذْعٍ يُؤَاخِي الهَوَاءَ ..
فَعُدْ حَيْثُ جَذْرُكَ .. !!
قِيلَ بِأَنَّ أَزَامِيلَ حَرْفِكَ تَكْشِطُ وَجْهًا لِيَبْدُوَ فِي غَمْرَةِ الهَتْكِ آخَرْ ،
وَ قِيلَ عَبَرْتَ بِزَادٍ ، وَ سِفْرٍ ،
وَ رِفْقَةِ مِعْرَاجِكَ الأَقْرَبِينَ ،
فَكَانُوا (الهَيُولَى) وَ كُنْتَ (العُبُورَ) ،
وَ قِيلَ عَنِ (الوِدِّ) قَوْلٌ كَثِيرٌ ؛
عَنِ (الفَيْضِ) ، عَنْ سَجْدَةِ (المِنْسَأَةْ) ،
وَ قِيلَ الكَثِيرُ ؛ وَ أَنْتَ صَمُوتٌ ..
وَ مَا قُلْتَ إِلاَّ مَقَالَةَ مَنْ قَالَ يَوْمًا : (سَقَوْنِي ...) ،
وَ مَا جُبْتَ إِلاَّ مَعَانِي الوُقُوفِ بِكُنْهِ (المَوَاقِفِ) ،
مَا كُنْتَ إِلاَّ كَمَنْ ضَاقَ ذَرْعًا بِزَيْفِ العُقُولِ ،
فَفُرِّجَ عَنْكَ بِمَاءِ السُّؤَالِ :
- عَلَى مَنْ سَتَتْلُو مَزَامِيرَ شِعْرِكَ ...
أَنْتَ وَحِيدٌ لِقَوْمٍ أُبِيدُوا .. ؟!
المَزْمُورُ الثَّانِي :
I
وَ قَالَتْ : (فَدَيْتُكَ) .
كَانَ اِنْهِمَارِي كَعُرْبُونِ طَلِّ ؛
وَ قُلْتُ الإِلَهُ يُحِبُّ الرَّعِيَّةَ ،
يَصْبُغُ وَجْهَ الحَزِينِ بِفَرْحِ .
وَ قَالَتْ : (أُحِبُّكَ) ؛
أَنْتَ الغَرِيبُ الَّذِي سَوْفَ يَجْدُلُ شَعْرَ الأَمِيرَةِ ،
أَنْتَ الشَّرِيكُ بِحُلْمِي وَ صَحْوِي ،
وَ أَنْتَ التَّشَهُّدُ فَوْقَ لِسَانِي ،
وَ أَنْتَ الصَّلاَةُ ؛ صِلاَتٌ تَشُدُّ السَّمَاءَ لأَرْضِي ،
وَ أَنْتَ اِتِّجَاهِي إِلَى ضَوْءِ رَبِّي ،
وَ أَنْتَ التَّنَسُّكُ ،
أَنْتَ الرَّسُولُ ، وَ أَنْتَ الرِّسَالَةُ ،
قَالَتْ وَ قَالَتْ ؛ وَ مَا قُلْتُ إِلاَّ :
- أُحِبُّكِ أَكْثَرْ .. !!
فَكَيْفَ اِسْتَوَى وَجْهُ ذَاكَ الغَرِيبِ غَرِيبًا عَلَى لَيْلِ تِلْكَ الجَدِيَلةْ .. ؟!
سَأَلْتُ كَثِيرًا تَجَاوِيفَ حَرْفِي وَ أَرْزَاءَ شِعْرِي :
- عَلاَمَ ، وَ كَيْفَ ، وَ هَلاَّ ، وَ أَيْنَ ، وَ أَنَّى ، وَ عَمَّ .. ؟
سَأَلْتُ كَثِيرًا ،
وَ سَالَتْ عَلَى صَخْرِ صَبْرِي إِجَابَةْ :
عَلَى غَفْلَةٍ مِنْ جُفُولٍ بِنَبْضِي ؛
أَتَيْتِ | عَشِقْتِ | غَدَرْتِ | فَغِبْتِ .. !!
II
وَ سَارَتْ إِلَى الغَيْبِ ؛
مَاذَا أَقُولُ وَ بَعْضِي لِكُلِّي يُؤَاسِي وَ يَنْدُبُ .. ؟!
عِطْرٌ مِنَ الشَّالِ ضَلَّ الطَّرِيقَ ..
وَ آزَرَ حُزْنِي فَكَانَ اِشْتِعَالِي .
وَ كَيْفَ التَّنَاسِي ؛
وَ نِصْفُ السِّنِينَ بِحِضْنِ الخَدِينَةِ كَانَتْ نُذُورًا .. ؟!
وَ أَيْنَ الرَّحِيلُ ؛
وَ كُلُّ البِلاَدِ بِهَا نَصْلُ خِنْجَرْ .. ؟!
وَ أَنَّى البَقَاءُ ؛
وَ خَوْفٌ يَعُسُّ خِلاَلَ الوَرِيدِ نَذِيرًا ،
إِذَا جَاشَ رَسْمٌ ؛ تَهَاوَى كَثِيبٌ عَلَى فَادِحَاتِ التَّذَكُّرْ .. ؟!
III
رَدَمْتُ العَنَاءَ بِأَحْجَارِ دَهْرِي ،
وَ لَعْنِي ، وَ كُلِّ اِحْتِمَالِي ،
وَ ظَنِّي ،
وَ مُعْظَمِ خَوْفِي ،
وَ جُلِّ اِرْتِيَابِي ،
وَ أَبَقَيْتُ كُوَّةَ حَرْفِي لأُبْصِرَ مَعْنَاكِ فِي دَاجِيَاتِ اللَّيَالِي ،
فَيَا حَسْرَةَ الضَّوْءِ حِينَ اِلْتَفَتُّ ..
وَ مَا فِي جِوَارِي سِوَى ظِلِّ سِرِّي .. !!
فَأَيْنَ رَحَلْتِ .. ؟!
تُرَى هَلْ دَفَنْتُكِ دُونَ اِنْتِبَاهْ .. ؟!
IV
جَفَلْتُ مِنَ الحُلْمِ غَيْرَ قَلِيلٍ ؛
وَ أَنْتِ الشَّرِيكَةُ دَوْمًا لِرَاءٍ .. !!
خَلَقْنَا سَوِيًّا :
كَمِيْنَ الوِدَادِ ، جَزِيلَ العِنَاقِ ،
مَسِيرَةَ قَلْبٍ ، مَشِيئَةَ حُبٍّ ،
نَفَخْنَا بِصَلْصَالِ ذَاكَ الطُّمُوحِ ؛
وَ قُلْنَا سَنَنْمُو ،
سَنَكْبُرُ حَتْمًا ،
سَنَنْجُوْ بِرَحْمَةْ ،
سَنَمْشِي عَلَى المَاءِ خَلْفَ (المَسِيحِ) ،
يُشَارُ إِلِيْنَا :
أُولَئِكَ قَوْمٌ أَحَبُّوا فَكَانُوا الهُدَاةَ لِمَنْ ضَلَّ ،
قُلْنَا سَنَخْلُقُ بَعْضَ البَرَاءَةِ ،
كَانَ الجُنُونُ حَفِيًّا ؛ يُلَبِّي ،
هَجَسْنَا بِمَاذَا نُسَمِّي قُدُومَ البِشَارَةِ ؛
قُلْتُ : (عَلِيًّا) ،
وَ قُلْتِ : أَرَانِي أَتَوقُ لـِ (خَالِدِ) ،
أَصْرَرْتُ دَوْمًا فَكَانَ الوِفَاقُ ،
وَ كَانَ (عَلِيٌّ) .. !!
V
تَنَاثَرَ حُلْمِي عَلَى رَوْضَتَيْكِ ،
نَثَرْتُ السِّنِينَ وَ قُلْتُ :
إِلِيْكِ سَآوِي فأُعْصَمْ .. !!
بَذَرْتُ اليَقِينَ ؛
وَ مَا خِلْتُ يَوْمًا بِأَنَّ الثِّمَارَ نَقِيضٌ لبَذْرِي .
غَرَسْتُ بِقَلْبِي طَهَارَةَ أُمِّي ، وَ حُبَّكِ أَنْتِ ،
وَ شَيْئًا كَثِيرًا بِحَجْمِ (العِرَاقِ) .
دَسَسْتُكِ عُمْقًا بِصَدْرِي ..
خَشِيتُ عَلَيْكِ مِنَ النَّبْضِ أَلاَّ يُبَعْثِرَ ظِلَّ الإِلَهِ ،
عَشِقْتُكِ أَنْتِ ، عَشِقْتُكِ يَوْمًا ؛
وَ مَا ظَلَّ فِي القَلْبِ إِلاَّ التَّذَكُّرُ ،
حَسْبِي الوَفَاءُ إِلَى بَعْضِ ذِكْرِكِ ..
كُونِي كَمَا شِئْتِ دَوْمًا ،
لأَنِّي اِرْتَحَلْتُ وَ لَسْتِ المَآبْ .. !!
المَزْمُورُ الثَّالِثُ :
I
تَآخَيْتُ يَوْمًا بِنِصْفِ اِحْتِمَالٍ ،
وَ حُزْنِ (العِرَاقِ) ،
فَقُلْتُ لِشِعْرِيَ :
- كُنْ لِيْ بِلاَدًا .. !!
وَ كَانَتْ بِلاَدِي ؛
كَوَشْمٍ عَلَى كَفِّ رَاعٍ فَقَيرٍ ،
كَنَخْلٍ تَرَجَّلَ لِلْنَّهْرِ يَغْسِلُ جَوْرَ السِّنِينَ ،
كَطُوفَانِ (نُوحٍ) ، كَفُلْكِ النَّجَاةِ ،
كَـ (مُوسَى) بِلاَ تِيهِ أَوْ أُحْجِيَاتِ ،
كَـ (عِيسَى) يَئِنُّ عَلَيْهِ الصَّلَيبُ ،
كَقُرْآنِ (أَحْمَدَ) صِيغَتْ بِلاَدِي ،
كَسَيْفِ (عَلِيٍّ) ، وَ رَأْسِ (الحُسَيْنِ) ،
كَنَاقَةِ (صَالِحِ) دُونَ (قُدَارِ) ،
كَحَبْسِ الذُّكَاءِ بِصُبْحِ (يَشُوعَ) ،
كَمَزْمُورِ (دَاوُدَ) حِينَ التَّرَنُّمِ ،
كَالْمُعْجِزَاتِ ،
كَكُلِّ المُقَدَّسِ صَارَتْ بِلاَدِي ،
وَ أَكْثَرْ .. !!
II
وَ آمَنْتُ أَنَّ اليَقِينَ شُكُوكٌ تُمَارِسُ رَقْصَتَهَا بِاحْتِفَالْ .. !!
وَ أَنَّ الهِدَايَةَ لَحْنٌ يُمَوْسِقُ نَبْضَ غَوَايَتِهِ الأَنْبِيَاءُ ،
وَ أَنَّ الحُدَاءَ تَسَابِيحُ حَادٍ ،
وَ أَنَّ العُقُولَ اِسْتَخَارَتْ ، فَنَادَتْ :
- إِلَهِي لُِكُلِّ المَعَاشِرِ هَادٍ .. !!
وَ أَنَّ الشُّمُوسَ تُبَاغِتُ ظَنِّي بُعَيْدَ الدُّلُوكِ ؛
وَ أَنَّ الشِّهَابَ ، الَّذِي أَنْكَرَتْهُ نُبُوءَةُ مَنْ قَالَ يَوْمًا : (أَفِيقُوا ...) ،
يُطَمْئِنُ قَلْبِي بقُدْرَةِ رَبْ .. !!
III
وَ يَنْمُو الظَّلاَمُ ؛
وَ مِشْكَاةُ دَرْبِي فَتِيلُ القَصِيدَةِ ،
تَلْهُو الظُّنُونُ عَلَى ثَغْرِ شَكِّي :
تُرَى هَلْ تَعُودُ الفَرَاشَاتُ يَوْمًا إِذَا مَا اِنْتَشَلْنَا رَحِيقَ الأَغْانِي .. ؟!
تُرَى هَلْ يَعُودُ المُغَنِّي ؛
أَ يَنْجُو .. ؟
تُرَى مَنْ سَيَبْقَى .. ؟
أَ تَبْقَى النَّوَافِذُ .. ؟
يَبْقَى الشِّرَاعُ .. ؟
أَ يَكْبُرُ يَوْمًا رَبِيبُ الجِهَاتِ ؛ يَدُسُّ بِكَفِّ النَّجَاةِ البِشَارَةْ .. ؟
أَ تَبْقَى وَحِيدًا كَأَوَّلِ خَلْقِكَ ..
تَبْكِي ؛ وَ لَكِنْ بِلاَ حِضْنِ أُمِّكْ .. ؟!
أَ يَخْضَرُّ حَرْفٌ ، أَ يُرْسَمُ حَقْلٌ .. ؟!
وَ يَنْمُو الظَّلاَمُ ،
وَ يَنْمُو بِصَدْرِكَ أَكْثَرْ وَ أَكْثَرْ ،
وَ يَبْقَى السُّؤَالُ :
- تُرَى هَلْ يَكُونُ سِوَى الْكَانَ كَائِنْ .. ؟!
IV
وَ سَوْطٌ بِكَفِّ التَّغَرُّبِ صَفْعًا عَلَى شَامِخَاتِ الرِّقاَبِ فَتَهْوِي ،
وَ تَذْوِي لِفَقْرِكَ جُلُّ المَطَامِحْ .
إِلَى عَبْرَتَينِ ، وَ دَمْعٍ ، وَ مَاضٍ ؛
زَفَفْتَ القَصِيدَةَ ،
تَلْكَ عَصَاكَ ؛
الَّتِي قَدْ هَشَشْتَ بِهَا ظَعْنَ عُمْرِكَ ،
هَلاَّ وَصَلْتَ .. ؟!
وَ هَلْ أَوْصَلَتْكَ الدُّرُوبُ لِتَرْتَاحَ عِنْدَ اِقْتِرَانِ التُّرَابِ بِصُدْغِكَ .. ؟!
أَنْتَ الَّذِي كُنْتَ أَزْرَ الضَّعِيفِ بِأَرْضِ النَّوَائِبِ ؛
صِرْتَ الجَفُولَ إِذَا رَفَّ ظِلُّكْ .
عَلاَمَ التَّفَكُّرُ فِي السَّالِفَاتِ .. ؟!
قَمِيصُكَ مَا عَادَ يُشْفِي الضَّرِيرَ ؛
وَ إِخْوَةُ حُزْنِكَ فِي الجُبِّ أَلْقَوْا عِمَامَةَ جَدِّكَ .
مَا صَاحِبَاكَ بـِ (رَاسَانَ) يُطْعِمُ ،
أَوْ يَسْقِي (مُرْطَسُ) ،
لَنْ يَذْكُرَاكَ إِذَا مَا فَرَغْتَ مِنِ القَوْلِ شِعْرَا ،
وَ مَا فِي جِوَارِكَ نَخْلَةُ (مَرْيَمَ) كَيْمَا تُصَلِّي ؛
فَتَهْبِطُ رَحْمَةُ رَبِّكَ تَمْرَا .
وَ لَسْتَ الَّذِي يَأَمُرُ الرِّيحَ : (هُبِّي ...) ،
فَأَجْهِزْ عَلَى بَاقِيَاتِ التَّأَمُّلِ ،
أَدْلِجْ بِأَوَّلِ لَيْلِكَ ؛
عَانِقْ هِدَايَةَ نَجْمٍ إِذَا ضَلَّ مَسْرَى .. !!
V
تَجَلَّى النَّدِيمُ ؛
تَصَارِيفَ عُمْرٍ وَ أَسْبَابَ خَيْبَةْ .
وَ بَعْضُ الغَرَامِ تَرَسَّبَ فِي قَعْرِ كَأْسِ الغِيَابِ ،
لِمَاذَا الغِيَابُ .. ؟!
تُسَائِلُ نَفْسَكَ حِينَ الخُلُودِ إِلَى رَحْمِ ذِكْرَى ،
لِمَاذَا الغِيَابُ ، لِمَاذَا الرَّحَيلُ ، لِمَاذَا عَشِقْنَا ،
لِمَاذَا هَجَرْنَا ، لِمَاذَا هُجِرْنَا .. ؟!
لِمَاذَا القُبُورُ قُبَيْلَ الرُّفَاتِ تَلَذَّذَ فُوهَا .. ؟!
بِأَيِّ الدُّرُوبِ سَتَنْمُو خُطَاكَ الَّتِي أَوْدَعَتْكَ بِغَيْهَبِ فِكْرَةْ .. ؟!
أَ هَذَا الطَّرِيقَ سَتَسْلِكُ .. ؟!
قُلْ لِيْ :
- أَ تِلْكَ المَحَجَّةُ تُلْغِي شُكُوكَكَ .. ؟!
تَهْجُرُ أَرْضَ السُّؤَالِ .. ؟!
أَ تَقْوَى .. ؟!
VI
وَ تَنْسَلُّ مِنْ بَيْنِ حُزْنِي نُبُوءَةْ ؛
تَأَمَّلْتُ وَجْهَ اليَقِينِ ، فَقُلْتُ :
إِذَا مَا أَعَدْتُ الرَّشَادَ لِقَوْلِي ،
إِذَا مَا اِحْتَطَبْتُ يَبَاسَ الأَوَائِلِ ،
أَوْ أُشْعِلَتْ أَلْفُ نَارٍ أُوَارٍ ،
وَ رُدَّتْ لأَصْلِ الجُذُورِ حِكَايَةْ ،
وَ غَاضَتْ شُكُوكٌ بِأَرْضِ الإِجَابَةْ .
إِذَا حُطَّ حِمْلٌ ؛
وَشُمُّ الـْ (سُّرَاةِ) تَرَاءَتْ دَوَارِسْ ،
وَ جِيءَ بِأَهْلِ القُبُورِ لمَحْشَرْ ،
وَ فُضَّتْ بَكَارَةُ أُنْثَى الحَقِيقَةْ ،
وَ أَفْشَى الـْ (عَتِيدُ) غَوَايَاتِ حِبْرِي ،
إِذَا مَا سُئِلْتُ عَنِ الحُبِّ ، وَ الشِّعْرِ ،
وَ الخَمْرِ ، وَ الجِنْسِ ،
وَ الحَرْثِ (أَنَّى ...) أَتَيْتُهُ يَوْمًا .. ؟!
عَنِ اللهِ كَيْفَ رَأَيْتُهُ نُورًا يُبَرْزِخُ بَيْنِي وَ بَيْنَ ظِلاَلِي .. ؟!
عَنِ المُعْجِزَاتِ وَ هَلْ أَقْنَعَتْنِي .. ؟!
فَكَيْفَ أُجِيبُ .. ؟!
وَ مَنْ ذَا سَيَسْأَلُ .. ؟!
هَلْ سَوْفَ أُسْأَلْ .. ؟!
VII
خَشِيتُ عَلَى بَاقِيَاتِ المِدَادِ يَمُتْنَ كَلاَلَةْ .
تَهَجَّدْتُ ذِكْرَ الخَلاَصِ ؛
عَبَرْتُ إِلَى الغَافِيَاتِ بِقَلْبِ الإِلَهِ ،
إِلَى ضَفَّتَيْنِ ، وَ شَطْرِ اليَقِينِ ،
وأَرْبَعِ هُنَّ مَقَامُ العُلُوِّ .
وَجَدْتُنِي وَحْدِي ..
تُرَى هَلْ ضَلَلْتُ .. ؟!
أَ كَانْتْ مَفَازَةْ .. ؟!
بَقِيتُ أُزَاوِجُ ظَنِّي بِظَنِّي ؛
أَوَدُّ الرُّجُوعَ ،
مَشِيتُ كَثِيرًا خِلاَلَ الضِّفَافِ ،
وَ بِالْشَّطْرِ آنَسْتُ صَوْتًا وَ نُورًا ،
وَ فِي البَاقِيَاتِ لَمَسْتُ البَيَاضَ ،
وَ لاَ شَيْءَ أَكْثَرْ .
أُرِيدُ الحَدِيثَ إِلَى السَّابِقِينَ ،
وَ كَانُوا هُنَاكَ يُؤَاخُونَ صَمْتًا ،
وَ غَيْرَ اِكْتِرَاثٍ .
تَسَارَعَ نَبْضِي ؛
أَصَابِعُ كَفِّي تَوَدُّ الوُصُولَ لِقَطْفٍ تَنَاءَى ،
وَ عَيْنَايَ تَرْصُدُ كُلَّ المَشَاهِدِ ..
عَقْلِي يَصِيحُ :
- سَأَذْكُرُ هَذَا ، سَأَذْكُرُ تِلْكَ ،
سَأُنْشِدُ شِعْرًا عَنِ البَابِ وَ الدَّارِ وَ النَّازِلِينَ ،
سَأُخْبِرُ صَحْبِي عَنِ المَاوَرَاءِ .. سَأَفْعَلُ حَتْمًا .. !!
وَ مَا زِلْتُ وَحْدِي ،
وَ لَكِنْ ؛ صَحَوْتُ أَخِيرًا ..
وَ إِذْ بِالْفِرَاشِ دَفِيئًا ،
وَ فَوْقَ الغِطَاءِ زَغَبْ .. !!
______________________
1- (قُدَارُ اِبْنُ سَالِفَ) هَذَا هُوَ اِسْمُهُ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَ السِّيَّرِ .
وَ هُوَ الذِي عَقَرَ نَاقَةَ النَّبِيِّ (صَالِحٍ)
كَمَا وَرَدَ فِي القُرْآنِ (سُورَةُ الأَعْرَافِ : 77) وَ (سُورَةُ القَمَرِ : 29) .
وَ تَمَّ اِعْتِبَارَهُ شَقِيًّا بِسَبَبِ تِلْكَ الفِعْلَةِ . وَ يُلَقَّبُ أَيْضًا بـِ (الأَجْهَرِ) وَ (أُحَيْمِرِ ثَمُودَ) .
2- (رَاسَانُ) وَ (مُرْطَسُ) هُمَا الفَتَيَانِ اللَّذَانِ سُجِنَا مَعَ النَّبِيِّ (يُوسُفَ) ؛
الخَبَّازُ وَ السَّاقِي وَ قِصَةُ الحُلْمِ وَ تَأْوِيلِهِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي القُرْآنِ
(سُورَةُ يُوسُفَ : 36 | 42) , وَ كَذَا فِي العَهْدِ القَدِيمِ
(التَّكْوِينُ – الفَصْلُ الأَرْبَعُونَ : 1 | 20) .
وَ قَدْ تَعَدَّدَتْ مُسَمَّيَاتُهُمَا وَ طَرَائِقُ لَفْظِهَا فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَ السِّيَّرِ ؛
وَ مِنْهَا : (وَاشَانُ | شُرْهَمُ | مُخْلَثُ | نَبُوءُ .. إِلَخْ) .