لَـمْ نـَكُـنْ صـَالِـحِيـنَ - سعد الياسري

(لَيْلَةٌ ، وَ جُمْهُورٌ كَئِيبٌ)
(مُفْتَتَحٌ)
غَيْرَ أَنَّا لَمْ نَكُنْ صَالِحِينَ بِمَا يَكْفِي كَيْ نَعْبُرَ بِأَبْيَضِنَا.
بِأَبْيَضِنَا فَقَطْ – يَا صَاحِبِي – دُونَ أَعْوَانٍ ..
إِذْ أَنَّنَا لَمْ نَكُنْ صَالِحِينَ بِمَا يَكْفِي .. إِلَخْ .. !!
(مُفْتَتَحٌ ؛ ثَانِي مَرَّةْ)
أَنْتَ بِمِعْطَفِكَ الَّذِي لَمْلَمْتَ بِهِ خَيْبَتَكَ وَ الوَطَنَ ،
وَ أَنَا بِدُخَّانِ سَجَائِرِي الرَّخِيصَةِ – حِينَذَاكَ - ،
وَ الأَصْدِقَاءُ بِمَا تَيَسَّرَ مِنَ الفُكَاهَةِ غَيرِ المُضِرَّةِ .
كُنَّا ؛ نُشَيِّدُ عُمْرَانَ القَطِيعَةِ دُونَ أَنْ نَدْرِي .. !!
(أَيْضًا ؛ مُفْتَتَحٌ)
أَتَذَكَّرُ المَشْهَدَ :
حَالِمُونَ بِضَفَّةِ البَحْرِ البَعِيدَةِ ،
صُرَاخُ سَائِقِي سَيَّارَاتِ النَّقْلِ ،
دَمْعَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَلْبِكَ – وَ لَمَحْتُهَا وَحْدِي - حِينَ أَزِفَ الرَّحِيلْ .. !!
(المَتْنُ)
قِفْ عَلَى قَدَمَيْكَ – كَالْصَّلِيبِ – يَا صَاحِبِي ؛
وَ لِنْلْعَنْ لَيْلَتِي الطَّوِيلَةَ ،
تِلْكَ اللَّيْلَةُ الَّتِي غَنَّيْتُ لَهَا :
ضَلِّلِي الحَقِيقَةَ كَمَا دَوْمًا ؛
وَ اِنْتَقِمي لِجَدِيلَتِكِ الَّتِي اِحْتَطَبَهَا قَلَقِي ،
أَخْبِرِيهُمْ عَنِّي ، وَ اِفْضَحِي مَا اِجْتَهَدْتُ دَهْرًا أَسْتُرُهُ ،
قُولِي لَهُمْ - مِنْ بَابِ التَّقَوُّلِ - :
أَنَّنِي وَسِيمٌ ،
وَ أَنَّ شَعْرِيَ يَكَادُ أَنْ يَخْنُقَ النَّهْرَ ،
وَ أَنَّ أَصَابِعِي جَوْقَةٌ شَعْبِيَّةٌ ، تُغَنِّي حَتَّى تَأْفَلَ الكَأْسُ ،
وَ أَنَّ كُلَّ طِفْلَةٍ أَخْلُقُهَا تَطْعَنُنِي بِإِتْقَانٍ ،
وَ أَنَّ العَابِرةَ - الَّتِي صَادَفْتُهَا مُرَاهِقًا – مُقَعَّرَةٌ و بِلاَ نَهْدَيْنِ ،
حَتَّى أَنَّهَا دُونَ تَضَارِيسَ يَذْكُرُهَا رَسَّامٌ ،
وَ أَنَّ الحُزْنَ الَّذِي أَدَّعِيهِ لاَ يُؤَهِّلُنِي لِلْبُكَاءِ ،
وَ أَنَّنِي تَحَدَّثْتُ عَنْ التَّشَرُّدِ دُونَ أَنْ أَقْرَأَ الرَّصِيفَ ،
وَ أَنَّ الشَّمَالَ - لِقُرْبِهِ مِنَ اللهِ - مُزَوَّدٌ بِالْمَلاَئِكَةِ ،
وَ أَنَّ أَخِي - الَّذِي يَصْغُرُنِي بِأَلْفِ حُزْنٍ - لَمْ يَسْرِقْ سَجَائِرِي يَوْمًا،
وَ أَنَّ قَلْبِيَ لَمْ يَكُنْ مَكَبًّا لِلْهَزَائِمِ ذَاتَ خِيَانَةٍ ،
وَ أَنَّ أَصْدِقَائِي أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ الإِسْفَلْتِ – تَصَوَّرْ !! - ،
وَ أَنَّ الحُبَّ - بِسَبِبِ أَهَمِّيَّتِهِ لَدَى التُّعَسَاءِ - قُصْرَى الطُّرُقِ إِلَى الفِرَاشِ ،
وَ أَنَّنِي أَغْبِطُ - وَاللهِ - سِيَاجَ المَقْبَرَةِ ؛ إِذْ لاَ بَشَرْ .
أَخْبِرِيهُمْ :
أَنَّنِي لَمْ أُعَاشِرْ بَائِعَةَ الورُودِ القَاصِرَ ،
وَ أَنَّنِي أُقَايِضُ قَصَائِدِي بِالْنَّبِيذِ ،
وَ أَنَّنِي قَضَيْتُ وَقْتًا سَيِّئًا فِي صَيْدِ السَّمَكِ إِمْعَانًا فِي طَاعَةِ وَالِدِي ،
وَ أَنَّ دُوَلاً " شَرِيفَةً " طَبَعَتْ عَلَى مُؤَخَّرَتِي أَحْذِيَةَ العَسَسِ ،
وَ أَنَّنِي اِرْتَدَيْتُ بَدْلَةً أَنِيقَةً فِي زِفَافِ رَجُلٍ فَظٍّ - لاَ أَعْرِفُهُ - ..
فَقَطْ لأَفْتِنَ عَرُوسَهُ المُثِيرَةَ ،
وَ أَنَّ الأَجْنِحَةَ غَايَةُ المُصَابِينَ بِالْكُسَاحِ ،
وَ أَنَّ الشِّعْرَ أَسْهَلُ مِنَ التَّبَوُّلِ اللاَّإِرَادِيِّ ..
فِي إِصَابَةِ غَيرِ الصَّالِحِينَ – كَـ نَحْنُ - ،
وَ أَنَّنِي مَشَيْتُ - كَالْرُّومَانْسِيينَ - تَحْتَ المَطَرِ لِسَاعَاتٍ حَتَّى أُصِبْتُ بِلَوْثَةٍ فِي رِئَتَيَّ ، وَ لَمْ تَحْضُرِ الخَدِينَةُ ،
وَ أَنَّ القَدَرَ ؛ فِكْرَةٌ ذَكِيَّةٌ أَتْلَفَتِ القُدْرَةَ ،
وَ أَنَّ الأَشْيَاءَ بِرُمَّتِهَا مَحْكُومَةٌ بِالْعَبَثِ .
حَدِّثِيهُمْ :
عَنْ عَشِيقَاتِي اللَّوَاتِي تَفَرَّسْنَ بِشَغَبِي ..
أَوْ أَرَدْنَنِي حَصَانَ تَلْقِيحٍ ،
أَخْبِرِيهُمْ - أُخْتَ القَلَقِ - عَنْ الشَّقَاءِ الخِصْبِ ،
وَ كَيْفَ يَبْدُوَ الخَرَابُ مُحَفِّزًا عَلَى الأَغَانِي الطَّوِيلَةِ ،
وَ كَيْفَ أَنَّ الصَّارِمِينَ وَحْدَهُمْ يَمُوتُونَ عَلَى أَرْضِ اليَقِينِ بِلاَ شَوَاهِدَ تَذْكُرُهُمْ ،
وَ كَيْفَ أَنَّ الأَنْبِيَاءَ فِي مُجْمَلِهِمْ كَانُوا عَاشِقِينَ مَهَرَةً .
أَيْ لَيْلَتِي العَتِيَّةْ :
ضَلِّلِي جُمْهُورِي الكَئِيبَ ،
وَ اِنْتَحِرِي .. لأَغْفُوَ .. فَوْقَ نَهْدِ حَبِيبَتِي المُتَوَرِّمِ مُنْذُ الأَمْسْ .. !!
(قَفْلَةْ)
ثَمَّةَ مَا يَكْتَظُّ بِيَ الآنَ مُحَفِّزًا ؛
كَيْ أَفْصِلَ رَأْسَكَ عَنْ بَاقِي جَسَدِكَ ،
فَنَجْلِسُ نَحْنُ الثَّلاَثَةُ :
أَنَا | أَنْتَ | رَأْسُكَ .. نُغَنِّي لِلْخَرَابِ سَاعَةً .
بَعْدَهَا تَعُودُ الأُمُورُ لِطَبِيعَتِهَا ،
وَ نَمُوتُ بِشَكْلٍ مُخَيِّبْ .. !!