ذبذبات - سعدي يوسف

للخريف الذي ظلَّ يمضي ، لآخِرِ أوراقهِ ، تهمسُ الريحُ في مطرٍ ناعمٍ.
أنا أسمعُ ما تَنطقُ الريحُ . ألْمُسُ ما تَحملُ الريحُ . أغْمسُ
هُدبي بأمواجها . القريةُ ارتحلتْ منذُ قَرنٍ ، وهاأنت ذا لا ترى غيرَ
مقعدها الخشبيّ الوحيدِ ، وساحتِها الخاويةْ .
قد كنتُ هيّأتُ الشعاراتِ العشيّةَ . سوف يأتي أحمدُ النجديُّ حتماً
بالعِصِيّ . وسوف تنطلقُ المظاهرةُ الظهيرةَ حينَ تزدحمُ الأزقّةُ
في محيط السُّوقِ .أيُّ منازلٍ ستقول : أهلاً ، حينَ ينطلقُ الرصاصُ؟
كأنّ ضَوعاً من حدائقَ في الغيومِ يسيلُ من كفِّي . كأني في الغمامْ .
ترحلُ الريحُ أيضاً ، ويرحلُ عن شجرِ الساحةِ المطرُ الناعمُ . الليلُ
لن ينتهي . هو لم يبدأ . الليلُ لن يبدأ . الليلُ حقٌّ كما الموتُ حقٌّ . كما اللهُ.
أنت هو المترحلُ . أنت الذي لم يجدْ عبرَ كلِّ المفازاتِ إلاّ مصاطبَ في قريةٍ.
وهي حجّتكَ اليومَ . قُلْ لي ، إذاً ، ما أوانُ الرحيلِ إلى الهاويةْ ؟
أتظلُّ تسألُ : هل أظلُّ ضجيعَها منذ انتصاف نهارِ هذا السبتِ
حتى مَوْهِنِ الأحدِ ؟ المدينةُ في ضواحيها … كأنكَ صرتَ تجهلُ
أنّ ماريتا تحبّ السوقَ مكشوفاً ومؤتلقاً ، وتجهلُ أنّ ماريتا ستشوي
الجَدْيَ . ماريتا ستُحضرُ خُبزَها البيتيّ. فَلْتقرأْ على الأحدِ السلامْ
الستائرُ شفّتْ ، وغامَ الزجاجُ . أنا الآنَ أُبصِرُ في الداخلِ، المَشهدَ.
الغرفةُ ابتعدتْ عن تفاصيلها ؛ والأريكةُ صارتْ مَمَرّاً ، وهذا البساطُ الذي
كنتُ أحسِبُ وِحداتِهِ صارَ نهراً ، ولم تَعُدِ اللوحةُ امرأةً عاريةْ .
……….............
….……………
……………….
بغتةً … أسمعُ الخطوَ !
هل جاءني من سيصحبني في طريقِ الظلامْ ؟