ثلاث محاولات لعلاقة - سعدي يوسف

أنا أقدرُ أن أفتحَ جَفنَيَّ دقائقَ
لكني لا أقدرُ أن افتحَ عينيّ…مساءَ البارحةِ التفّتْ كلُّ وشائعِ أيامي
حولَ عروقي. ظلّتْ تلتفّ وتضغطُ ، تلتفُّ وتضغطُ ، حتى سالتْ شمسٌ
بين يدَيَّ . على أُصُصِ الأزهارِ بدا الطُّحْلُبُ أخضرَ في لونٍ مائيٍّ. ماذا
سيُغَنِّي صُعلوكُ الحَيّ؟ ستندفعُ الزيناتُ مُفرقِعةً من جهةِ
الغربِ . الشّمسُ تسيلُ . وآخِرُ قنّينةِ خمرٍ شِيلِيٍّ رحَلتْ.
أنا أقدرُ أن أفتحَ جَفنيَّ دقائقَ
لكني لا أقدرُ أن أفتحَ سمعيْ …الشارعُ مكتومٌ ، لَكأنّ السيّاراتِ على
عشبٍ تَدْرُجُ . والموسيقى من بئرٍ تخرجُ . أهجِسُ صلصلةً في الحنفيّةِ ...
سلسلةً من ذهبٍ تسقطُ من رفٍّ كي تتكوّمَ في طرفِ السجّادةِ . هل يتكلمُ
هذا المصباحُ ؟ البابُ المؤصَدُ صَرَّ صريراً … أعرفُ أنّ ينابيعَ ، ينابيعَ
مُغَلْغَلةً ، تترقرقُ بين السبّابةِ والإبهامِ ؛ تُرى … هل أسمعُها ؟
أنا أقدرُ أن أفتحَ جَفنَيَّ دقائقَ
لكني لا أقدرُ أن أستافَ …و في بستانِ البيتِ ، قديماً وبعيداً ، في البصرةِ ،
كانت أزهارُ الخشخاشِ . وعندَ مُسَنّاةِ الماءِ تفوحُ روائحُ من سَمكٍ وطحالبَ.
كنا أحياناً ننهلُ من ماءِ الطَّلْعِ .أتعرفُ كيف تكونُ القيلولةُ تحتَ غصونِ التينِ ؟
وكيف تكونُ بَواري المَدْبسةِ ؟ الليلُ سيهبطُ مثلَ ضبابٍ أزرقَ في "حمدانَ".
سيمتدُّ اللبلابُ المُزْهِرُ في الدمِ … سوف يكونُ شميماً