رباعية أيضاً - سعدي يوسف

سعدي
المتوحدُ و الأفعى
لا يعرف أن يأكلَ في المطعمِ
والمطعمُ مكتظٌّ بزبائنهِ . المطعمُ يَبعُدُ أمتاراً حَسبُ عن النهرِ .
به سَمَكٌ ، ومُخَلّلُ مانجو الهندِ ، وأرغفةُ التنّورِ ،
وكان الناسُ سكارى بالعَرقِ المسمومِ ورائحةِ البارودِ الباردِ في الجيبِ
الخلفيّ . وفي هذا الغسَقِ ارتعشَ الضَّوعُ قليلاً . هل نادى اللبلابُ
زهورَ البوقِ؟ وهل تَخْطُرُ في الأبخرةِ امرأةٌ ؟ سوف يكون الناسُ
سعيدينَ … يموتُ الناسُ سعيدينَ : العَرَقُ الطافحُ ، والبارود…
سعدي
المتوحدُ و السيف
لا يعرف أن يجلسَ في بهوِ سياسيِّين
كم حاولتُ ، طويلاً ، أن أدخلَ في البهوِ المفتوحِ ! لقد أمضيتُ العُمْرَ
بهذي اللعبةِ . يُغريني المشهدُ عن بُعدٍ : أبواقٌ ، وسماسرةٌ ،
وحقائبُ . أحياناً تأتي امرأةٌ بالويسكي في أكوابِ الشاي . وقد يُمسِكُ
قردٌ بمُكبِّرِ صوتٍ . يَصّاعَدُ في الليلِ رصاصٌ أعمى. حُجِزتْ
كلُّ مقاعدِ هذا البهوِ ، وعندَ البابِ اصطفَّ المنتظرونَ . لماذا؟ هل تسألني؟
أنا لا أعرفُ كُوعي من بُوعي . أنا لا أعرفُ حتى سترةَ من يسألُني .
سعدي
المتوحدُ و الحلزون
لا يعرف أن يتقدمَ ( حتى بين رفاقِ العمر ِ) مُظاهرةً
خيرٌ لكَ أن تجلسَ ملتصقاً بالمصطبةِ الخشبيةِ . ماذا ستقولُ لو استعجلْتَ
وراء القومِ ؟ فأنتَ هنا ، ملتصقاً بالمصطبة الخشبيةِ ، سوف ترى المشهدَ مكتملاً .
لن تدفعَ بالمنْكبِ جاراً . لن تتدافعَ كي تحظى بالصورِ الفوتوغرافيةِ …
قد يجلسُ لِصقَكَ مَن أنهكَهُ السيرُ . وقد تتحدثُ عن قاراتٍ
أخرى. هل تُنْكرُ أن العالمَ يبدو أجملَ حين تراقبُه من مصطبةِ
الحانةِ ؟ إنّ رفاقكَ يندفعون خِفافاً في الشارعِ. أنت تراهمْ . هذا يكفي .
سعدي
المتوحدُ والمِرآةَ
يحاولُ أن يتصوّرَ ما هو أبعدُ منها…
أنتَ رأيتَ … فماذا بعدُ ؟ الأشجارُ وفوضى الشارعِ والمرأةُ والطيرُ جميعاً
في المِرآةِ . ووجهُكَ أيضاً في المرآةِ . إذاً ، ماذا بَعدُ ؟ ألمْ تسأمْ هذا؟
لكنكَ لن تغلقَ نافذةَ المَرأى طبعاً … أوَلَمْ تتفَكَّرْ في ما خَلَقَ
المَرءُ ؟ إذاً ، فَلْتَبْرأْ من هذا الصّلصالِ طيوراً ! إنكَ لم تأتِ لكي
تتملّى المِرآةَ ، ولم تأتِ لكي تكسرَها . هل أتعَبَكَ الدربُ ؟ وهل
خذلتْكَ خُطاكَ ؟ انظُرْ تحتَ غطائكَ ، وانتظرِ الصّبَواتْ .