المحذوف من رسالة الغفران - عدنان الصائغ

مستلقياً على ظهري
أحدّقُ في السماءِ الزرقاء
وأحصي كمْ عددَ الزفراتِ التي تصعدُ إلى الله كلَّ يومٍ
وكم عددَ حبات المطر التي تتساقطُ من جفنيهِ
أديرُ قرصَ الهاتفِ
وأطلبهُ
تردُّ سكرتيرتهُ الجميلةُ
إنه مشغولٌ هذه الأيام
إلى أذنيهِ
بتقليبِ عرائضكم التي تهرأتْ من طولِ تململها في المخازن
يا سيدتي أريدُ رؤيتَهُ ولو لدقيقةٍ واحدةٍ
ما منْ مرة
طلبتهُ
وردَّ علي
أريدُ أن أسألَهُ قبلَ أنْ أودّعَ حياتي البائسة
وقبل أنْ يضعَ فواتيرَهُ الطويلةَ أمامي:
يا الهي العادل
أمن أجلِ تفاحةٍ واحدةٍ
خسرتُ جنانَكَ الواسعةَ
أمن أجلِ أن يسجدَ لي ملاكٌ واحدٌ
لم يبقَ شيءٌ في التاريخ إلا وركعتُ أمامه
..............
يا أبانا…
يا أبانا الرحيم
أعرف أنكَ لنْ تضحكَ على ذقوننا مثلهم
لكني مهانٌ ويائس
أريدُ شبراً من هذه الأرضِ الواسعةِ أضعُ عليه رأسي ونعالي وأنام
أريد رغيفاً واحداً من ملايين السنابل التي تتمايس أمامي كخصورِ الراقصات
…………
......
أجلسُ أمامَ بابِ مسجدِ الكوفة
أجلسُ أمامَ كنيسةِ لوند
أجلسُ أمامَ حائطِ المبكى
أجلسُ أمامَ معبدِ بوذا
ضاغطاً راحتي على ركبتي
وأحصي كمْ يصعدون، ظهورَنا المحدودبةَ كالسلالم
وكم ينـزلون
ومع هذا
لا أحد يلتفتُ إلى دموعنا المنسابةِ كالمزاريب
أريدُ أن أصعدَ يوماً إلى ملكوته
لأرى..
إلى أين تذهبُ غيومُ حشرجاتنا
وهذه الأرض التي تدور
بمعاركنا وطبولنا وشتائمنا واستغاثاتنا
منذ ملايين السنين
ألمْ توقظْهُ من قيلولتِهِ الكونيةِ
ليطلَّ من شرفتِهِ
وينظر لنا
مَنْ يدري
ربما سئمَ من شكوانا
فأشاحَ بوجههِ الكريم
ونسينا إلى الأبد.
أحلمُ أن أركلَ الكرةَ الأرضيةَ بحذائي المثقوب
ولا أدعها تسقطُ
حتى أعيدها إليه
كي يجيبني
بعيداً عن جمهرةِ المفسرينِ والدراويش والوعّاظ:
إذا كنتَ وحدكَ مالكَ الغيب..
ولمْ تفشِ أسرارَكَ لأحدٍ
فكيف علمَ أبليس
بأني سأعيثُ في الأرضِ فساداً
.......
وإذ كنتَ حرمتني
من دمِ العنقودِ
فلماذا أبحتهُ لغيري
..........
وإذا كان الأشرارُ لمْ يصعدوا إلى سفينةِ نوح
وغرقوا في البحرِ
فكيفَ امتلأتِ الأرضُ بهم ثانيةً
.............
و "إذا السماء انشقّتْ ، وأذِنتْ لربها وحُقّتْ ، وإذا الأرضُ مُدّتْ ، وألقتْ ما فيها وتخلّتْ"..
فأين ستذهب لوحات فان كوخ،
وقصائد المتنبي،
ومسرحيات شكسبير،
ونهج البلاغة،
وسمفونيات موزارت
وما الذي سنجده في متاحفِ الجنة..
..............
وإذا كنتُ سأجدُ في فراديسك الواسعة
حبراً
وخمراً
وصفصافاً
فهل أستطيعُ نشرَ قصائدي
دونَ أن تمرَّ على رقيبٍ
.............
وإذا أنكحتني
عشرةَ آلافِ حورية عين….
فماذا ستترك لحبيبتي
و…..
و………
…….