يوم غير عادي في حياة قرية عراقية - علي ناصر كنانة

مأخوذاً بنداءِ عذقِ التمر
حافياً يتشلبى نخلةً
تتباسقُ فوق بيوتٍ طينية.
ومن على كرْبَةٍ أمينةٍ
شملَ الفضاءَ الفسيح بالفضول.
لمحَ مركبةً.. تلمعُ..
(لا يستأجرُها الفلاحون عادةً).
تتهادى ببطءٍ غير عادي
كما لو تواري مرآةً
تتشظّى في حفرة الرحيل.
قدماه حجران ثقيلان
والسيّارةُ تقترب...
السيّارةُ تحملُ شيئاً غير عادي:
ألواناً رآها في باحة المدرسة.
السيارةُ تقترب وساقاه تتباعدان.
قدمان مذعورتان تحملانهُ إلى القرية.
الكلامُ يتماهى في الصمت.
السيارةُ تصل
والقوم كمن ينتظرُ الركوب.
الموتُ المجندلُ على الحدباء
ينتظرُ الاعتراف بهويتهِ.
ابنُ مَنْ..؟ تهمهمُ الصدور.
لا مَن يتبنّى جسدَ الموت.
- لو أن التابوتَ يتلاشى
ليتملّص من مغامرة التعّرف.
(الحياة هي المعرفة.
والموت هو المجهول).
- لو أن المبعوثَ الشاحبَ
وقد تكلّستْ شفتاه
يكفُّ عن القولِ
ويغادرُ القرية.
(شيخٌ محدودبٌ على عكّازهِ اختلى بمرافق الجنازة، وتـمتمَ: إنّا لله وإنّا إليه راجعون. ثم حملتْ نظرتُهُ الجنازةَ إلى امرأةٍ لم يترك لها الزمن سوى وحدتها. فشقّتْ زيقَها..والنساء. كادتْ الحقول تبكي والنخيل.. حتى الكلاب كفّـتْ عن النباح ولاذتْ بعواءٍ مهزوم
الصيفُ بدا أكثرَ سخونةً
والعرقُ اختلطَ بدموع الترّقب
القوم يلهجون بالتعاويذ
ولا حاضرَ إلا الموت.
*
6 يناير 1999