كالغريبِ أسألُ نفسي - علي ناصر كنانة

بعيداً.. بعيداً ترحلُ الذكرياتْ
وتأخذُني معها
وتتركُ ظلّي
تخبُّ به الريحُ
والطرقاتْ
بعيداً..
كأنّ المكانَ
تكوّرَ في خطوةٍ
والزمانَ
تدحرجَ
- كيف أعرفهُ؟
يخاتلُ بين الكراتْ
.....
بعيداً..
كذا تأفلُ الذكرياتْ.
وجوهٌ
ظننتُ بها ألفةً..
ما رأتْني
وألفيتُني
كالغريبِ
اسألُ نفسي
فتفجعُني الهمهماتْ
أيتها الذكريــاتْ!
وحدّيني بظلّي
لتقبلَني الكائناتْ
أو دعيني
- كما كنتُ دوماً –
وحيداً
كدمعٍ
على لوحةٍ
فوقَ ماءِ الفراتْ
المكانُ مكاني
وإنْ كانَ وهْمَ المكانْ
والزمانُ زماني
وإنْ كانَ وهمَ الزمانْ
والقطارُ الذي
في نواحِ المغنّينَ
قد قيلَ فاتْ
أشعرُ لمّا يزلْ
عامراً بالأزلْ
ورحيقِ الحياةْ
...
شفقُ الذكرياتْ
ليس كما شفقُ الذكرياتْ
والغسقْ
والترابُ له نكهةٌ
لستُ أعرفُها
والمياهُ البريئةُ
منكوبةٌ بالغرقْ
والمحبونَ
غير المحبينَ
والأصدقاءُ
تلاشوا على مفترقْ
والكتابُ الذي
خبّأتْهُ الأمومةُ
قالوا: احترقْ
ما الذي يا ترى
قد تبقّى
من الذاكرةْ؟
هشيمٌ من الصورِ
المشتهاةِ
تداعتْ على موقد الدائرةْ
وكم دارَ بيْ
صوتُها
والنداءاتُ حيرى
وأصداؤها حائرةْ
كدتُ أصرخُ
بالهجرةِ القاهرةْ
أنْ أعيدي إليَ
الجنونَ..
لتسعدَكِ اللغةُ العاقلةْ
واسلكي المستقيمَ
وخلّي ليَ
الطرقَ المائلةْ
فلستُ بمستمعٍ
بعد قتل النواحِ
لغيرِ نواحي
ولستُ لأحملَ
سيفَ الشجاعةِ
كيما أموتُ فطيساً،
سألقي سلاحي
وأهجرُكِ
نحو نفسي
وأملأُ كأسي
وأشربُ حتى الثمالةِ
كي لا أفيقْ
لأقطفَ
من حقلِ وهمٍ بريقْ
يرنو إلى القادمينْ
معَ أوانِ الرحيقْ
أصيحُ يا قادمينْ
بصيغةِ الراحلينْ:
ذا وداعي..
وبعضُ حزنِ الصديقْ
وماءُ عينِ الرحيلْ
يومَ انتخى للصراخْ
ليس سوى المستحيلْ
كانَ الصدى..
الصدى الذي
على مداخل الزمانْ
يرقبُ في لجاجةٍ
قيامةَ الأوانْ
تخرجُ من خرافةِ الطنينْ
أو من بيانِ قولِها المبينْ
أو من جحورِ وطأةِ الهوانْ
... يا أيّها الزمانْ
أغربْ
وبلّغْ المكانْ:
في نقطةٍ بينكما
عزمتُ أنْ أكونْ.
خذا الحياةَ كلَّها
وحصّتي: الجنونْ..
في فيضِهِ
تُستَنسَبُ الإقامةْ
لريثما يحينُ
موعدُ القيامةْ
ويأفلُ النسيانْ.
وآفلاً أروحُ
في ضبابِهِ
تسبقُني الأشجانْ:
ما أتعس الإنسانْ!
كنافلٍ يُداسُ
في ممالكِ الهوانْ.
ما أهونَ
الأفول في النسيانْ!
*
9-10/3/2004