يوم عادي في حياة قرية عراقية - علي ناصر كنانة

انبعجَ الغيمُ !
واندلقَ الرمادُ:
كأسرابٍ من خفافيشَ
تتلاطمُ في الفراغ.
الليلُ يبالغُ في الظلمة
والمقابرُ مكتظةٌ بالرياح.
شبحٌ يعبرُ الساقية
دون أن تبتلَّ ساقاه.
*
هناك...
على مقربةٍ من القرية
يختلطُ نباحُ كلابٍ
بخطواتٍ متثاقلةٍ
تستخرجُ من الذاكرةِ
انهدامَ حائطٍ طيني.
(كأنما الجهات تتداعى).
والفلاحون
يغّطون في النوم.
(على غير عادتهم).
الغربان استيقظتْ
والأفاعي.
وحفيفُ الأشجار هامدٌ
والثغاءُ تلبّسهُ الصمت.
وحينَ تثاءبَ الليلُ
لا ديكٌ صاحَ.. ولا مؤذّن.
الفجرُ بدا مألوفاً
والكدرُ يغضّنُ وجوه القوم:
يلهجون بالتعاويذ
دونَ أن يلحظوا خَطْباً جَلَلاً يتشابح.
*
اتكأَتْ الشمسُ على دهشتِها
امتعاضاً أسبلتْ جفنيها
وفي قوامِ سنبلةٍ اختبأتْ الأشعة.
(لم تكن الساقيةُُ المحاذيةُ لتعلم إن البريق السابح بشبقٍ
بين ثناياها كان أجهدَهُ اللهاث خلفَ جبينٍ متعّطشٍ للتعّرق).
والعشبُ
حالماً بالأغاني غفا..
بلا رغبةٍ في الصحو.
هدهدٌ يتبخترُ حذراً في الحقل
يتملّصُ من أيةِ رحلةٍ للتقّصي.
والذئاب - في غير أوقاتها - تعوي.
لا أهازيجَ للحصاد
ولا يشاميغَ تعومُ فوق الرؤوس.
*
النهار بدا مألوفاً.
والقلقُ قشعريرةٌ.. والقومُ
يلهجون بالتعاويذ
دون أن يلحظوا خَطْباً جَلَلاً يتدانى.
*
متثاقلةً تـمضي الشمس.
القرصُ الأحمرُ يتسرّب إلى المواقد.
غيمٌ من الدخان.. والسعال
مختلطٌ برنينِ أباريق الوضوء.
عيونٌ مسدلةٌ تتطلعُ إلى السماء.
النجوم تدنو بتحفّظ
ثم تتناءى حَذَراً.
أحاديثٌ منهكةٌ
تتصارخُ عبر مسافاتٍ
يبتلعُها هرجُ الثغاء والخوار.
وعلى مقربةٍ من القرية
تتربّصُ الثعالبُ بالدواجن
وبالأغنامِ تتربّصُ الذئاب
وبالجميع يتربّص البعوض.
وحين تخفتُ المواقد
وتجفُّ فناجين القهوة
ويختمُ الراوي حكايتَهُ
يهمُّ القومُ إلى سوابيطهم
يلهجون بالتعاويذ
دون أن يلحظوا خَطْباً جَلَلاً يباغتهم.
*
11 أكتوبر 1998