لو للقصيدةِ حنجرةٌ! - علي ناصر كنانة

(1)
في بلادٍ مكتّظةٍ بالخناجرِ
يبحثُ الطائرُ عن عريِهِ:
عن أرضٍ
تتسّعُ لرجلٍ وظلّهِ
أو حفرةٍ
تبتلعُ الرجلَ طوعاً
أو عنوةً
فيما يتناثرُ ريشُ الظلِّ
في فنائهِ الفسيح.
(2)
على رصيفٍ مزدحمٍ بالمّارةِ
كانَ وحيداً..!
كأنما تلاشى الخَلْقُ
في معاطفِ الفرار.
رأى أنوفاً هاربةً
تتقافزُ على لحاءِ الرصيف،
ورجالاً مجدوعي الأنوف
رآهم – من بعيد – يصرخون.
تلمّسَ أنفَهُ
ومضى
دونَ أن يخفي خُيلاءَهُ.
(3)
جمرٌ/حجرٌ/مطر.
كلُّ ذا من حولهِ:
الجمرُ يقطرُ ثلجاً.
الحجرُ يتلوّى من الألم.
والمطرُ قار.
....
أغلقَ صندوقَ المفاهيم
وهرعَ لعناقِ الحياة.
(4)
كلّما خلعَ ملابسَهُ
نسيَ بعضاً منهُ
في طيّاتها،
حتى عجزتْ الملابس يوماً
عن العثور عليه ليرتديها.
(5)
كلّما أشاحَ عن فداحة الخراب
وأغمضَ عينيه
تتزاحم تحت جفنيه
صورٌ لخرابٍ أكثر فداحة.
(6)
منذ عشرات السنين
وهو يصطدم بالجدار،
حتى استحالَ جداراً
والأجيال تصطدم به.
(7)
أطول الرحلات في الكون
تلك التي تطوي الصحراء
نحو ماءٍ أكيد.
وأقصرها: تلك التي
تقبعُ في كنـزٍ لا يفنى!!
منذ سمعَ قدرَهُ يدعوه،
لعنَ الكنزَ
وأسرجَ خيولَ أوهامِهِ.
(8)
لا أقسى من أن تكون غريباً!
- لو أن المستبدّين
يصغون إلى لغة النواح
لربما بكوا..!
لو أنهم...
ولكن كيف..؟!
(9)
لو أتشظّى آلافاً
لأسكنَ الأرضَ كلَّها..
والبحار.
(10)
لو أنَّ للقصيدةِ حنجرةً
لصرختُ بها
حتى يصيبَني الخَرس.
**
15/11/2002 الدوحة