مرجـانـــة - علي ناصر كنانة

كنتِ مرجانةً غافيةْ...
على ساحلِ البحرِ
فاجأتُكِ
ترددتُ...
وكثيراً ترددتُ
قبل أن أستأذنَ البجعاتِ
أيُّ عوالمِ الأعماقِ
تعتقُ مثلَكِ...؟
وكيف تجرّأَ الموجُ...؟
وأيُّ سلالةٍ
من معبدِ الأولمبِ
ألقتْ خلقَها
- وأجملَ خلقِها -
فيك...؟
قبل أن أستأذن البجعاتِ
فاجأني هوىً...
هوىً قديمْ:
سرى "الغرّافُ" في روحي
قطاراً
كان يطحنُني
ويذرُّ في جرحي
هديرَ الوهلةِ الأولى
سؤالاً
في سرائرهِ
سؤالْ.
قبل أن أستأذنَ البجعاتِ
كنت أريدُ أن أصرخُ...
ولكن الكلامَ
- كعادتهِ - تلاشى:
غموضُ اللحظةِ العجلى ،
استفاقات الرحيق ،
تلهّفُ الصحراء،
وحولكِ البجعاتُ يدرنَ أجنحةً
وكنتُ أدوُر أشرعةً:
حولٌ لي وقوةْ!!
هي خطوةٌ لا غير...
باغتنَي غروري
وأحزانُ القرونِ
وجدتُني أمتدُّ... أسمو
فاحتفلتُ بمطلقي
حتى السماء
وأنت شمسي.
هي خطوةٌ لا غير...
أزيحُ دثارَ أجنحةٍ
وأوقظكِ
وما مغلولةٌ كفّي
بآخرِ عمقِها انبسطتْ
فحطّي طائراً
والبحرُ تحت يدي...
وصرتُ أناجيكِ ابتهالاً،
أحدّثُكِ كما مخبولْ،
أسألكِ
وأجيبُ عنكِ
وأنتِ
كسيرةً تبكينْ!
لا أدري...
أخانكِ في الضحى البحرُ
أمْ أخترتِ السواحلَ
واكتشفتِ الضيم...؟
(أيُّ الضيمِ أهونُ)...؟
لا أدري...
ولا تدرين...
أضاعتْنا المنافي.
هي لحظةٌ لا غير...
دفيءٌ... عشُّكِ القلبُ
وأصواتُ الرياحِ
تخلخلُ سعفَ أوردتي
وتفرشُني الهواجسُ
تحتكِ عشباً
وأسألكِ إذا جعتِ
وأسألكِ إذا ظمأٌ
وأسألك إذا شئتِ...
هواكِ يشاء!
- هي خطوةٌ
- لا...
هي حقبةٌ... يا ليلْ:
أكداسٌ من الكلماتِ،
أحلامٌ مهشّمةٌ،
تواريخُ الضياعِ،
خناجرُ،
غرفٌ مخبَّأةٌ،
شرائعٌ دمويةُ،
شكوكٌ
وانتكاساتٌ
وأوهامٌ
وخوفٌ.
بأيّ ذبائحِ الآمالِ
ألثمُكِ...؟
وأيُّ قصائدٍ حرّى
ستسعفُ لهجتي
متعثّر الألفاظِ
يطويني الكلامُ على
صمتٍ مريبْ...
وتسكنني الظنونُ
كأنّما
وكرٌ من الأشباحِ
أقضمُ لوعتي
وأباركُ المجهول!
هي خطوةُ...
- لا...
هي حقبةٌ:
قدمانِ عاريتانِ...
دهرٌ قنفذيٌ...
دستُ أياماً عصيّاتٍ
وألقيتُ الرداءَ عليكِ
......
......
......
أضناني الغيابْ.
هي لحظةُ
حين اختزلْنا الدهرْ
ها...
مرجانةٌ أنتِ
وقلبي البحرْ.
*
16 فبراير 1990