وصارَ العندليبُ بها غرابا - علي ناصر كنانة

سلاماً ما عدوتَ على كريمٍ
وقد كنتَ الكريمَ وكنتَ بابا

إذا ما الليلُ عتّمَ صبحَ قومٍ
وجدتُكَ في منازلهم شهابا

تراك الناسُ من دونٍ منيفاً
بهامٍ طالَ من نوفٍ سحابا

سلاماً.. أنتَ أصدقهم مقالاً
تشيرُ بأصبعٍ: باتت خرابا

ديارُ الأكرمين وقد تهاوتْ
على أصحابها حمماً عذابا

وراح البومُ ينعبُ في هشيمٍ
وصارَ العندليبُ بها غرابا

بلادٌ صدّرتْ للكونِ حرفاً
وباتَ الآن مطلبُها كتابا

وقانون الحياةِ بها تجلّى
فكيف الموتُ يسرجُها ركابا

سلاماً، قولةٌ للنفسِ عظمى
كأعناقٍ تمزّقـتْ اشـرآبا

فمن حالٍ إلى حالٍ تردّتْ
وكلٌ يعصرُ الوقتَ احتسابا

بجمعٍ ثم طرحٍ ثمّ ضربٍ
لِما قد قيّضَ الدهرُ انتهابا

يموتُ الناسُ تقتيلاً مريباً
وكلٌّ يرمقُ الخصمَ ارتيابا

ومن حربٍ إلى حربٍ سُبِينا
وفوقَ الحربِ نشتبكُ احترابا

وطيفٌ فيه طيفٌ منه طيفٌ
وأحزابٌ تساومُ كي تُثابا

خساراتٌ وأعظمُها علينا
عراقٌ قد تولّوهُ اغتصابا

نحوا في العيبِ فعلاً علقمياً
وفي إثْرِ الغزاةِ مشوا كلابا

يعضّونَ الشريفَ إذا تصدّى
ويفتونَ الخطيئةَ أنْ صوابا

سلاماً يا بلاداً ما تعافتْ
من الطغيانِ للغزوِ ارتعابا

ظلامٌ ليسَ يشبهُهُ ظلامٌ
خفافيشٌ وقد أمستْ ذئابا

فذاكَ أذاقنا مرَّاً عجيباً!
ومرُّ اللاحقينَ غدا عجابا

أيا شعباً أذلّتْهُ الرزايا
وأمساً كان منزلُهُ القبابا

تمّردْ ضد جرحِكِ واعتبرْهُ
حساماً تستطيعُ به انقلابا

فجرحُ الحرِّ ليسَ كأيِّ جرحٍ
كرّياتٌ تمورُ به غِضابا

فما كنّا الهوامشَ في مسيرٍ
ولا رأسٌ ننكّسُها انتحابا

لنا في كلِّ موقعةٍ نزيفٌ
وأكثرَ نحنُ من عَرِفَ الشعابا

تجلّدْ واطردْ الغازينَ طرداً
يكون بفعلهِ عملاً مُثابا

ولا تُغْضِبْ من التاريخِ أهلاً
تساموا كي يعزُّوكَ انتسابا

تمثّلْ خيرةَ الأجداد شأواً
وثرْ ضد العدوِّ ومن تحابى

ولا تلطمْ فليس اللطمُ حلاً
ولا تبكِ.. وكنْ حرّاً مُهابا

تدرّعْ بالرجولةِ في زمانٍ
يبيحُ الجُبنَ فعلاً مستطابا

وقلْ: بغدادُ حاضرةُ التحدي
ولا نرضى لها أبداً غيابا

فأمّا أن نكون كما جُبِلْنا
وأمّا الموتُ نجعلُهُ ارتكابا

وبين الرافدين لنا شموخٌ
وبين العالمينَ غدا رهابا

أتوا من آخر الدنيا إلينا
لأنّا لم نكنْ يوماً قِحابا

يغّذونَ التناحرَ في عراق ٍ
نسيجُ بقائهِ كان الحبابا

أذلّونا وأخوَتُنا شـهودٌ
حَسَبْنا ركبَهم خيلاً عِرابا

ولو دارتْ بنا سودُ الليالي
فأن الفجرَ نبلجُهُ اقتضابا

إذا هبّتْ رياحٌ من جنوبٍ
وغرب ٍحينها قولوا: استجابا

عراقُ الثائرين وأيُّ صوتٍ؟!
إذا بغدادُ طالبتْ انسحابا

ففي العشرين شعلانٌ وضاريْ
وفي الخمسين أشعَلْنا الترابا

اغربوا هذا البلادُ لنا وأنتم
غزاةٌ لا يليقُ بكم رحابا

إذا قلنا لكم أهلاً وسهلاً
فلا كان الفراتُ لنا شرابا

اخرجوا قبل الأوان وقبل يوم ٍ
يصير هروبكم فيه اضطرابا

اخرجوا لسنا العبيدَ كما ألِفْتمْ
عبيداً مِعْوجين لكم رقابا

اخرجوا نحنُ العراق ونحن قومٌ
تحطُّ الكبريـاءُ بنا إهـابا

*

آذار 2006 - الدوحة