غـــربــــــة - علي ناصر كنانة

1 - فصول...
يا لها من غربةٍ قارسة!
أنا... الجسدُ الذي اعتادَ التعرّقَ
طوالَ نهاراتٍ لا هبةٍ... وليالٍ
جفّتْ قشرتي.
...
يا لبؤس التحدي!
ألقيتُ معطفي الكالحَ
على قارعةِ الطريق
وكففتُ أكمامي ،
تلبّستُ صيفاً غائباً
وزعمتُ العصيانْ.
استغرقَني الثلجُ
كعصفورٍ مبتلٍّ
أتراجفُ مغلوباً
يتباسمُ المارةُ...
...
لملمتُ بقايايَ مهرولاً
خاسراً الفصولَ كلها..
يا للنهايةِ الفاجعة!
لا استعدتُ صيفي
ولا تآلفتُ مع شتاء الآخرين.
*
2 - عظام...
رفقاً بي... أيها الصحب ،
كوماً من عظامٍ
تتعّكزُ المكابرة،
اسندوني... حين تعصفُ الريُحْ
لمّوني... حين يبعثرني الحزنْ
ولا تدعوني... مداسةً لأحذية الغرباءْ
ويومَ يتهاوى هيكلي المتثلّج
وتكسوهُ الزرقةُ
عكزّوني
إلى قبرٍ... قبرٍ بعيدٍ جداً
حيث دُفِنَ أبي -
أو احفظوني مجمّداً
ليوم تعودونْ!
أكرموني
بمترٍ مربعٍ من الوطن
لم أملكه في الحياة...
ادفنوني واقفاً
واشهدوا أنني
تمردّت حتى العظام.
*
3- طلل..
الحلم...
أعني البيت الحلو الذي
رصفتُهُ طابوقةً طابوقةً
حملتُهُ معي مشرّداً
وفي السواترِ جندياً...
عبرتُ الحدودً مشياً به...
سجنوني وكان معي....
كنتُ أرممّهُ كلما تآكلَ
وأجدّدهُ وأعلّيه.
وحين حملتْني معاهدة جنيف
من سجن الشويخ
إلى قطبِ الجليدِ والحرية!
كنتُ أكثر ركاب البوينغ وزناً
منتفخاً بالبهجةِ...! والحلم.
أعني البيت الحلو الذي
سيحفلُ بالطمأنينةِ والعلو!
ولكن أنّى لي...
هي عجافٌ أخرى،
أيامٌ مملّةُ التشابه،
وتحت مطارقِ الخيبات
صار بيتي الحلو
يتضاءلُ
شيئاً
فشيئاً
مثل
لعبةٍ
ثلجيةْ...
حتى
تـ لـ ا شـ ى..............
حضنتُ آثارَهُ... وانتحبتُ...
صرختُ...
توسّلتُ
أن يطلَّ ولو بطابوقةٍ
أغازلُها
وأدلّلُها
وأعبدُها
أنْ كلَّ شيءٍ تبخّرَ...
وليس سواها...
هي طللٌ
يبرّرني للحياة.
*
ستوكهولم - 30 ديسمبر 1994