النيل - سالم أبوجمهور القبيسي

اِلعَبْ هُنا بينَ أشواقي و وجداني
و امْرَحْ على وَقعِ أنغامي و ألحاني

يا أيها النيلُ مهما كنتُ مُبتعداً
أراكَ في نَظرتي في كُلِّ أوطاني

ألقاكَ في ظِلَّتي في الدَّربِ في لُغَتي
في قِصَّةِ الفَجرِ في تَعبيرِ ألواني

هذي ضِفَافُكَ في صَدْري لها عَبقٌ
تَبُثُّ نجواي في سِرّي و إعلاني

انظُر ترى ألفَ خُرطومٍ و قاهِرَةٍ
يَسبَحنَ يَمْرَحنَ في قلبي و وِجْداني

يَلعَبنَ بالروحِ في لَهْوٍ و في مَرَحٍ
يَقفِزنَ مابينَ شِرْيانٍ و شِرْيانِ

و قد نَصَبنَ لِهذا اللَّهوِ عارِضَةً
مِن كِبريائي و آمالي و أشْجَاني

يا أيُّها النيلُ عِشْ نِيْلاً نَكُونُ به
نيلاً تَدَفَّقَ في رَمْلٍ و خِلْجانِ

نيلاً مِنَ الحُبِّ مِن كُلِّ القلوبِ و مِنْ
هذي الصحاريَ مِن مَجْدٍ و إيمانِ

مِن سِحْرِكَ العَذْبِ كَمْ أسقيتنا قِصَصاً
و كَمْ تَعَمْلَقْتَ في دَهْرٍ و أزمانِ

العبقرياتُ مِن نَجْوَاكَ شَاربةٌ
مِنْ قَبلِ خوفو ويونانٍ و رُومانِ

مِنْ قَبلَ أنْ تنتشي بالنَّارِ كاهِنةٌ
و يَنْطِقُ الفَنُّ في حَرْفٍ و بُنيانِ

يا مَن تأرَّختَ لِلأحياءِ مُنْطَلَقاً
مِن قبلِ أنْ تلتقي أرضٌ بِإنسانِ

مازالَ واديكَ في مَجْراهُ أوديةٌ
تجري وفاءً و تأبى كُلَّ نُكْرانِ

تِلكَ القُلوبُ التي في أرْضِها نَبَضَتْ
كي يُبْدعَ الطينُ يَوْماً غَيْمَ أغصانِ

و يُطْرِبُ الأرضَ صوتٌ أخضرٌ خَضِلٌ
حَفِيْفُ قَمْحٍ و زيتونٍ و رُمَّانِ

يا أيُّها النيلُ في بُشراكَ أُمنيتي
فَانبعْ مِنَ القَلْبِ إنْ ضَيَّعتَ عنواني

و اشرب مِنَ الحُبِّ آياتٍ مُقَدَّسَةً
فالنَّهرُ مِنْ دُونِ حُبٍّ شِبْهُ ثُعبانِ

و النَّهرُ مِن دُونِ صَوتٍ لا حياةَ لَهُ
يُمِيتُهُ أيُّ فِرْعَونٍ و هامانِ

و النَّهرُ مِن دُونِ رَفْضٍ لا يُطاوِعُهُ
وادي الملوكِ و لا يجري بِوُديانِ

فانْحَتْ مجاريكَ و اقْطع كُلَّ مُنْعَرَجٍ
كالسَّيفِ سِر في ثنايا كُلِّ كُثبانِ

إنَّ اليَبَابَ عَدوُّ الأرضِ مُجْدِبُها
أغْرِقْ لياليهِ لَوْ مِن فَيْضِ طُوفانِ

ألا ترى كيفَ أحيا اللهُ مُجْدِبَةً
مِنْ بَعدِ مَوتٍ و إفلاسٍ و خُسْرانِ

أمْسى بِها الماءُ فاهْتَزَّت بهِ و رَبَتْ
و أنبتت خَيْرَها مِن دُونِ حُسبانِ

يا أيُّها النِّيلُ فَلْتَهْتَزُ ثانيةً
أرضٌ بِها القَحْطُ يَمحُو لَونَ شِطآني

أرضٌ بِها القَحْطُ تستشري مَخَالِبُهُ
في لَهْجةِ الماءِ في أحلامِ بُستاني

أرضٌ و إنْ تشربُ الأنهارَ منْ دَمِها
ما أنبَتَتْ غيرَ أصنامٍ و أوثانِ

فَنظُرْ بِرَبِّك كيف الماءُ في يَدِها
و حوضُها بينَ جَوعانٍ و عَطْشانِ

و أنْظرْ بِربِّك ، لاحِظْ ، كَيفَ تَرصُدُني
عَينُ التماسيحِ إنْ ناجيتُ خِِلاّني