ايها المتردون ! - محمد مهدي الجواهري

أساتذتي أهلَ الشعورٍ الذينَ هُمْ
مناريَ في تدريبتي وعمادي

أروني انبلاجا في حياتي فانَّني
سئمتُ حياةً جُلّلتْ بسواد

وما الشاعرُ الحسَّاسُ صِنوٌ لِعيشةٍ
مكرَّرةٍ مخلوقةٍ لجماد

خذوا بِيدَيْ هذا " الغريب ِ" فانَّه
لكلِّ يدٍ مُدَّتْ إليه مُعادي

لئن جئتُ عن أزمانِكمْ متأخراً
فإنّي قريبٌ منكمُ بفؤادي

لغيرِ زمانٍ كَوَّنَ الدهرُ نزعتي
وكوَّنَ أعصابي لغير بلاد

وعنديَ منكمْ كلَّّ يومٍ مَجالسٌ
ترفُّ بها أرواحُكم ونوادي

معي روحُ "بشَّارٍ" وحَسبْي بروحه
تقرّبني من حكمةٍ وسَداد

تعّلِمني سُخفَ القوانينِ في الورى
وسوءَ نظامٍ لم يجئ برشاد

وطوراً مع الشَّهم الظريف " ابن هانيءٍ "
يراوح خمَّاراً له ويغادي

يسجّل ما احصْت يداه بدقَّةٍ
ويمزُج منه صالحاً بفساد

ومن قبلُ " للحاناتِ" كانت ولم تزلْ
لدى الشعراء النابهينَ أيادي

تعوِّضهمْ عن وحشةٍ بانطلاقةٍ
وعن يقظةٍ مذمومةٍ برقاد

أساتذتي ، لا تُوحِدوني فانَّني
بوادٍ وكلُّ الشاعرين بوادي

ولا تعجبوا أنَّ القوافي حزينةٌ
فكلُّ بلادي في ثيابِ حِداد

وما الشعر إلاَّ صفحة من شَقائها
وما أنا إلاَّ صورة لبلادي

فلا تذكروا عيشي فانَّ يراعتي
تَرفَّعُ عن تدوينه ومدادي

أمرُّ مَن المِلح الأُجاج مواردي
وأرجعُ من شوكِ القتادةِ زادي

تقدَّمني مَن لستُ أرضى اصطحابه
وطاولني من لم يكنْ بعدادي

وضُويقتُ حتى في شعوري وإنَّما
شعوري ّبُقيا عُدَّتي وعتادي

وما لذَّةُ الدُّنيا إذا لم أكن بها
أُمتَّع في تفكيرتي ومرادي

وما أنا بالحُرِّ الذي ينعتَونه
إذا لم يكن في راحَتَيَّ قيادي

أُصرِّفُه فيما أروم وأشتهي
وأبذلُ فيه طارفي وتلادي

وماذا يريدُ الناسُ مني وإنَّما
" لنفسي صلاحي أو عليَّ فسادي "

فلا تَنشُدوا حُريّةَ الفكر إنَّها
"ببغدادَ " معنى نكبةٍ وصفاد

فما كان بشَّارٌ بأوَّلِ ذاهبٍ
ضحيَّةَ جهلٍ شائنٍ وعناد

إلى اليوم في" بغداد " خنقُ صراحةٍ
وتعذيبُ الافٍ لأجل أحاد

مداخلةٌ في مجلسٍ ومساربٍ
وتضييقةٌ في جِيئةٍ ومَعاذ

وخلّوا اهتضامَ الشعر إنَّ حديثَه
شجونٌ ، اقضَّتْ مضجعي وَوِسادي

خلَتْ حَلبةُ الآداب إَّلا هجائناً
ملفَّقَةً سدَّتْ طريق جياد

تشكَّى القريضُ العابثين بَحقله
كما يتشكَّى الروضُ وقعَ جراد