الذكرى أو دمعة تثيرها الكمنجة .. - محمد مهدي الجواهري

ءيا مستثياً دمعةً صَمدتْ
لطوارئِ الدّنيا فلم تَثُرِ

إنَّ التي صَعُبَتْ رياضتُها
أنزلتَها قسراً على قَدَر

وأسَلْتَها وهي التي عَجَزَتْ
عن أن تُسيلَ فوادحَ الغِيَر

ردتْ نداءَ كوارثٍ عَظُمَتْ
ودعا فلبَّتْ مَنطِقَ الوَتَر

هل عند أنْمُلَةٍ تُحَرِّكُها
باللطفِ إنَّ الدمعَ بالأثر

وهل الدموعُ ودفعُها وطرٌ
للناسِ تَدْري أنَّها وطري

ما انفكّتِ البلوى تُضايِقُني
حتى شَرَيْتُ النفعَ بالضرر

وَوَجَدْتُني بالدمعِ مبتهجاً
مثلَ ابتهاجِ الزرع بالمطر

غطّى العيونَ فلم تَجِدْ نَظَراً
دمعٌ أعزُّ عليّ من نَظَري

يا دمعةً غراءَ غاليةً
يَفْديكِ ما عندي من الغُرَر

من قابلاتٍ حكمَ مُنْتَقِدِ
وشجارِ مفتَخرٍ ومحتَقَر

لغة العواطفِ جلَّ مَنْطِقُها
عن أن يُقاسَ بمنطقِ البشر

فتّشتُ عنكِ فلم أجِدْ أثراً
حتى ظننتُ العينَ من حجر

ومَرَيْتُ جَفْني مَريَ ذي ثِقَةٍ
ورجعتُ عنك رجوعَ مُنْدَحِر

وغدوتُ أحْسُدُ كلَّ مكتئبٍ
ذي محجَرٍ بالدمع مُنْفَجِر

كم أزمةٍ لو كنتِ حاضرةً
فَرَّجْتِها بمسيلِك العَطِر

لو كنتِ عندي ما ثَقلتُ على
كأس الشراب ومجلس السَّمر

لغسلتُ جَفْناً راح من ظمأٍ
مُتَلَهباً مُتَطايِرَ الشَّرر

أنا بانتظارِكِ كلَّ آونةٍ
علماً بأن الحزنَ مُنْتَظِري

طال احتباسُكِ يسن مُخْتَنَقي
ومحاجري والآن َ فانحدري

كنتِ الأمينةَ في مخابِئها
وأراكِ بعدَ اليومِ في خطر

واذا امتنعتِ عليّ فاقتنعي
أنَّ " الكمنجةَ " خيرُ مُعْتَصَر

سيلي فلا تُبقي على غُصَصٍ
رانتْ على قلبي ولا تذَري

واستصحبِي جَزَعا يلائِمُني
وخذي اصطباري إخْذَ مُقْتَدر

فلقد أضرَّ بَسحنتي جَلَدي
فملامحي تُربي على عمري

كم في انكسار القلب من حِكَمٍ
لا عاش قَلْبٌ غَيرُ مُنْكَسِر

هذي الطبائعُ لا يُطَهِّرُها
مثلُ اصطلاءِ الهمِّ والكدر

وَلَرُبَّ نفسٍ بان رَوْنَقُها
جراءَ حُزْنٍ غير مُنْتَظَر

مُسَّ الكمنجةَ يَنْبَعِثْ نَفَسٌ
يمتدُّ في أنفاسِ مُحْتَضَر

في طوعِ كفكَ بَعْثُ عاطفتي
وخَلاصُها من رِبقةِ الضّجر

وأزاحني عن عالَمٍ قَذِرٍ
نَحْسٌ لآخرَ زاهرٍ نَضِر

بالسمعِ يَفْدي المرءُ ناظِرَهُ
وأنا فديتُ السَّمْعَ بالبصر

يا قلبُ – والنسيانُ مَضْيَعَةٌ -
هذا أوانُ الذِّكْر فادَّكِر

هذي تواقيعٌ مُحَلِّقَةٌ
بك في سماءِ تَخَيُّلٍ فَطِر

واستعرضِ الأيامَ حافةً
مكتظَّةً بِتَبايُنِ الصُّوَر

أذْكُر مسامَرَةً ومجْتَمَعاً
مزدانتين بقُبلَةِ الحَذر

مطبوعتين بقلبِ مثريةٍ
بالمغريات وقلبِ مُفْتَقِر

متفاهمين فما نبا وجل
لوقوعِ ذنبٍ غير مغتَفَر

أذْكُرْ تَوَسُّدَها ثنيَّتَها
وسنانةً محلولةَ الشعر

معسولةَ الأحلامِ ذاهبةً
بِخَيالِها لمدارجِ الصِّغَر

أذْكر يداً مرّتْ على بَدَنٍ
هي منهُ حتى الآن في ذُعُر

ولُيَيْلَةً بيضاءَ خالدةً
منها عرفت لذائذَ السفر

ثم اعطفِ الذكْرَى إلى جهةٍ
أُخرى تُرعْ بعوالِمٍ أُخَر

تُذْهلْ لمغتصَبٍ على مَضض
أمسى يقلَّبُ في يَدَيْ أشِر

بَدَنٌ بلا قلبٍ لدى أثِرٍ
عاتٍ على الشَّهَواتِ مُقْتَصِر

ثمرٌ بلا ظلٍ لديك كما
في أسرِهِ ظلٌّ بلا ثمر

كم مثلِ قلبِك ذاهبٌ هدَراً
لتحكُّماتِ الدين في البشر