الرجعيون ! - محمد مهدي الجواهري

ستَبقى طويلاً هذه الأزماتُ
إذا لم تُقصِّرْ عُمرَها الصدَّمَاتُ

إذا لم يَنَلْها مُصلحونَ بواسلٌ
جريئونَ فيما يَدَّعونَ كُفاة

سَيبقى طويلاً يَحمِلُ الشعبُ مُكْرَهاً
مَساوئَ مَنْ قد أبْقَتِ الفَتَرات

قُيوداً من الارهاقِ في الشرقِ أُحكِمَتْ
لتسخير أهليه ، لها حَلَقات

ألمْ ترَ أنَّ الشْعبَ جُلُّ حقوقهِ
هي اليومَ للأفرادِ مُمتلَكات؟

مشتْ كلُّ جاراتِ العراقِ طموحةٍ
سِراعاً، وقامتْ دونهُ العَقَبات

ومِنْ عَجَبٍ أن الذينَ تكفَّلوا
بانقاذِ أهليهِ همُ العَثَرات

غداً يُمْنَعُ الفتيانَ أنْ يتعلَّموا
كما اليومَ ظُلماً تُمنَعُ الفتيات

أقولُ لقومٍ يَحْمَدونَ أناتهم
وما حُمِدتْ في الواجباتِ أناة :

بأسرعَ مِن هذي الخُطَى تُدرَكُ المُنى
بِطاءٌ لَعَمْري مِنكمُ الخُطُوات

وما أدَّعي أنَّ التهوُّرَ صالحٌ
متى صَلُحَتْ للناهضِ النزوات؟!

ولكنْ أُرَجي أنَّ تقوم جريئةً
لصدِّ أكُفِّ الهادمين بُناة

أُريدُ أكُفّاً مُوجِعاتٍ خفيفةً
عليها – متى شاءتِ – الَّلَطمات

فانْ ينعَ أقوامٌ علىَّ مقالتي
وما هي إلَّا لوعةٌ وشَكاة

فقد أيقَنتْ نفسي ، وليسَ بضائري
بأنّيَ في تلكَ العُيونِ قَذاة

وما النقدُ بالمُرضي نفوساً ضعيفةً
تهدُّ قُواها هذهِ الحَمَلات

وَهَبْني ما صلَّتْ علىَّ معاشرٌ
تُباعُ وتُشرى منهمُ الصَّلَوات

فلو كنتُ مِمَّنْ يطعمونَ بمالهِ
لعادَتْ قِداساً تلكمُ اللعنات

دَعُوها لغيري عَلَّكُمْ تحِلُبونها
ستُغنيكمُ عن مِثليَ البَقَرات

وما هيَ إلاَّ جمرةٌ تُنكرونَها
ستأتيكُمُ من بَعدِها جَمَرات

قوارصُ قولٍ تقتضيها فِعالُكُمْ
وتدعوا " الهَناتِ " القارصاتِ " هَنات "

وإنْ يُغضِبِ الغاوينَ فضحٌ معاشرٍ
همُ اليومَ فيه قادةٌ وهُداة

فما كان هذا الدينُ ، لولا ادّعاؤهم
لِتمتازَ في أحكامهِ الطَّبَقات

أتُجبى ملايينٌ لفردٍ ، وحوَلُه
أُلوفٌٌ عليهمْ حَلَّتِ الصَّدقات؟!

وأعجبُ منها أنَّهم يُنكرِِونَها
عليهم ، وهمْ لو يُنصِفونَ جُباة

قذىً في عيونِ المصلحينَ شواهقٌ
بدتْ حولَها مغمورةً خَرِبات

وفي تلك مِبطانونَ صُغْرٌ نُفوُسُهم
وفي هذه غرثى البطونِ أُباة

ولو كانَ حُكْمٌ عادلٌ لتهَّدَمتْ
على أهلِها هاتيكمُ الشُرُفات

على باب " شيخِ المسلمين " تكدَّسَتْ
جِياعٌ عَلَتْهم ذِلَّةٌ وعُراة

همُ القومُ أحياءٌ تقولُ كأنَّهم
على بابِ " شيخِ المسلمين" موات

يُلَمُّ فتاتُ الخُبزِ في التربِ ضائعاً
هُناك، وأحياناً تُمَصُّ نواة

بيوتٌ على أبوابها البؤسُ طافحٌ
وداخِلَهُنَّ الأنسُ والشَّهَوات

تحكَّمَ باسمِ الدّينِ كلُّ مذَمَّمٍ
ومُرتكِبٍ حفَّتْ به الشُبُهات

وما الدينُ إلا آلةٌ يَشهَرونها
إلى غرضٍ يقضُونه ، وأداة

وخلفَهُمُ الأسباطُ تترى ، ومِنهُمُ
لُصوصٌ ، ومنهمْ لاطةٌ وزُناة

فهَلْ قَضتِ الأديان أن لا تُذيعَها
على الناسِ إلَّا هذه النَّكِرات

يدي بيدِ المستضعَفِينَ أُريهمُ
من الظُلْمِ ما تعيا به الكَلِمات

أُريهمْ على قلبِ " الفُراتِ" شواهقاً
ثِقالاً تَشَكَّى وطأُهنَّ " فُرات"

بنتْهُنَّ أموالُ اليتامى ، وحولَها
يكادُ يَبينُ الدمعُ والحسَرات

بقايا أُناسٍ خلَّفوها موارداً
تسدِّدُ لهوَ الوارِثِينَ ، وماتوا