إلى الشباب السوري.. - محمد مهدي الجواهري

حيِّ الصفوفَ لرأبِ الصدعِ تجتمعُ
وحيِّ صرخةَ أيقاظٍ بمن هجعوا

إنَّ الشبابَ جنودَ اللهِ ألَّفهمْ
في " الشامِ " داعٍ من الأوطانِ مُتَّبع

مَشوا على خَطوهِ تنحطُّ أرجلُهمْ
كما اشتهى " المثلُ الأعلى " وتَرتفع

" دِمَشقُ " لم يُبق منكِ الدهرُ باقيةً
إلاّ الذي في توَقي غيرِه ضَرَع

ولو أردتُ بكِ التقريع عن مِقَةٍ
لقلتُ : أنفُكِ رغمَ العزِّ مُجتدع

فما انتظارُكِ مَيْتاً لا ضميرَ لهُ
حزماً فلا الخوفُ ذو شأنٍ ولا الطمع

نُبِّئتُ في " الغُوطةِ " الغنّاءِ عاصفةٌ
تكادُ تجتثُّ ما فيها وتَقتلع

مرَّتْ على " بردى " فالتاثَ مَوردهُ
وبالغياضِ فلا حُسنٌ ولا مَرَع

فقلتُ : لاضيرَ إنْ كانت عجاجتُها
عن غضبةِ البلدِ المسلوبِ تنقشع

وهل سوى مُتَعٍ زالتْ ستخلِفُها
مُخَّلداتٍ . حِساناً . خُرَّداً . مُتَع

أمَّ البلادِ التي ما ضيِم نازِلُها
يوماً . ولم يَدْنُ منها العارُ والهَلع

محميَّةً بالأصمِّ الفردِ تحرُسُه
غُلْبُ الرِّجالِ على الآجالِ تقترع

مثلَ " النسورِ " إذا ما حلَّقوا رهبوا
والموتُ ملءُ خوافيهم إذا وقعوا

الحاسِرونَ كنبعِ السروةِ احتفَلوا
بالنازلاتِ فلا التاثوا . ولا ادَّرعوا

والرابضونَ كآسادِ الشرى فاذا
هِيجوا رأيتَ المنايا كيف تندفع

لا ينطقونَ الخّنا حتى إذا اقتَتلوا
فمنطِقُ الفتكِ منهم منطقٌ قَذَع

دِمَشقُ يا " أمُّ " إنَّ الرأيَ مُحتَفلٌ
والعزمَ مُحتتشَدٌ . والوقتَ مُتسِع

قولي يُجبْ شاحِنُ الأضلاعِ مرتقِبٌ
واستصرخي ينتفضْ غَيرانُ مُستمع

وأجمعي الأمرَ .. نُجمِعْ لا يُفرِّقنا
أأنتِ .. أمْ نحنُ فيما ينبغي تَبع

وطوعَ أمركِ أجنادٌ مجنَّدةٌ
إلى " العُروبِة " بعد اللهِ تنقطع

يُغنيكِ عن وصف ما يَلقونَ أنهمُ
خوفاً عليكِ ، ولمَّا تُفجعي ، فُجعوا

وقد يكونُ قريباً أنْ ترى " حلبٌ "
خيلَ العراقِ قُبيلَ النجعِ تنتجع

"قُبّاً " شوازبُ لا تُلوى شكائمُها
ولا يرينُ على " تقريبه " الضلَع

ثقي " دِمَشقُ " فلا حدٌّ ولا سِمةٌ
ولا خطوطٌ – كلعبِ الطفلِ – تُبتدع

تُقصيكِ عن أرضِ بغدادٍ ودجلتها
أمَّا الفراتُ فنبعٌ بيننا شَرع

إذا " الجزيرةُ " روَّت منه غُلَّتها
روَّى الغليلَ الفراتيونَ وانتقعوا

جرى على الكأسِ والأنباءُ مُفجِعةٌ
دمعٌ هو القلبُ نحوَ العينِ يَندفع

وارتاحَ للبثِّ " خِدنٌ " كادَ يَخنقه
ذكرى " دمشقَ " وما تلقى وما يَقع

فقلتُ : ليتَ " فرنسا " ها هُنا لترى
كيف القلوبُ على الأرزاءِ تَجتَمع

هذي مباهجُ " بغدادٍ " ونشوتُها
وجداً عليكِ . فكيف الحزنُ والهلع

دارتْ دمشقُ بما اسطاعتْ فما قدرت
على سياسةِ خبّ داؤها الجشَع

كانت " أناةٌ " فلم تَنجع .. ولا جنَفٌ
وكانَ ريثٌ فلم ينفعْ .. ولا سرَع

بعدَ الثلاثينَ عاماً وهي رازحةٌ
حسرى .. تطلَّعُ للماضي وترتجع

كانت محافِلُ " باريسٍ " لها سنَداً
واليومَ منها يحين الحَينُ والفزع

" اليومَ " ضاقتْ بشكواها وآهتِها
و " أمسِ "كانت على " عثمانَ " تتسع

حتى كأنْ لم يكنْ للعُربِ مطَّلبٌ
ولا استقلَّ بحملِ القومِ مضطلِع

ولا مشتْ " بُرُدٌ " والموتُ يحملها
ولا سعتْ " رُسلٌ " والموتُ يتَّبع

ولا المشانقُ في أعوادِها ثمرٌ
غضٌّ منَ الوطنِ المفجوعِ يُقْتطع

لئن تكن خُدَعٌ ساءتْ عواقبها
فكم أنارتْ طريقاً مُظلِماً خُدَع

كانتْ دُروساً لسوريا وجيرتِها
من فرطِ ما طبَّقوها فيهمُ برعوا

يا ثورةً قرَّبَ الظلمُ اللِّقاحَ بها
سيلمسُ المتجِّني شرَّ ما تضع

قالوا : السياسةُ شرعٌ ما به نصفٌ
فهل تكونُ جنوناً ما به وَرَع ..؟

وهل يُريدونَ بعدَ اليومِ تجربةً
وفي تذكُّرِ ما قد فاتَ مُرتَدَع

قلبَ العُروبةِ هل بُشرى نُسرُّ بها
أنَّ " السُّويداءَ " بُرْءٌ ما به وجع

و " اللاذقيةُ " هل " ربٌّ " يقوم بها
أم ربُّها العَلمُ المحبوبُ يرتفع

وفي " الجزيرةِ " هل زالت وساوسُها
وهل توَّحدتِ الآراءُ والشِّيَع

يا " جنَّةَ الخُلدِ " لو لم يؤذِ نازلها
ضيفٌ ثقيلٌ عليها ، وجهُه بَشع

بادي المخالبِ " وحشٌ " لم يلدهُ أبٌ
لكنَّه في ديارِ الغربِ مُختَرَع

" دمَشقُ " إنَّ معي قلباً أضيقُ به
يكادُ من خلجاتِ الشوقِ ينخلع

جمَّ النزيِّ .. إلى مغناكِ مُتَّجهٌ
كأنه من رُباكِ الخُضْرِ مُنتزَع

ناغي خيالُكِ " أطفالي " فيقظتُهم
ذكرى ، وطيفُكِ مغناهم إذا هجعوا

" فراتُ " أشبهُ كلِّ الناسِ بي ولعاً
فيما أُحِبُّ .. تبنَّاهُ بكِ الوَلع