الهاربون - نازك الملائكة

إلام نجوب سحيق البلاد ؟
يعيث السراب بنا
تناولنا وهدة لوهاد
ويخدعنا المنحنى
***
وفيم أتينا ؟ يسائلنا البحر : ماذا نريد ؟
وتلحقنا عربات الرياح وتبقى تعيد
تعيد السؤال
ولا ردّ إلا خطوط الملال
على صمت أوجهنا في الليالي الطوال
نفرّ وتدركنا من جديد
***
ويسألنا الأفق أين نسافر ؟ أين نسير ؟
ومن أيّ شيء هربنا ؟ وفيم ؟ لأي مصير ؟
وفي صمتنا
قلوب تدقّ , ووقع المنى
على يأسنا فرح لا يطاق فهيّا بنا
لنبحث عن جرح حزن صغير
***
وفي سيرنا نسمع الليل يسخر من سرّنا
يلاحقنا بالظلام ويغري الرياح بنا
يقول الطريق
لماذا نجوب الوجود السحيق
يلاحقنا أمسنا ورؤانا ووجه صديق
وحتام نهرب من ظلّنا ؟
***
وفي سيرنا في الدياجير نبصر هزء القمر
ويغضبنا في سناه البرود , وبعض الشجر
يسدّ السبيل
علينا , ويسخر منّا الأصيل
وينبئنا أنّنا الباحثون عن المستحيل
وأنّا , برغم منانا , بشر
***
ونسمع من جنبات المسالك ذات مساء
صدى هامسا في الدجى أنّنا.. أنّنا جبناء
نخاف الأصيل
ونرحل لا رغبة في الرحيل
ولكن نهرب من ذاتنا , من صراع طويل
ومن أنّنا لم نزل غرباء
***
وها نحن , حيث بدأنا , نجوب الظلام الفظيع
شتاء يموت , وأسئلة لم يجبها ربيع
حيارى العيون
يسائلنا غدنا من نكون ؟
ويتركنا أمسنا المنطوي في ضباب القرون
فيا ليل , يا بحر , أين نضيع ؟