حدود الرجاء - نازك الملائكة

كنّا نراها في ضباب الكرى
ملفوفة الهيكل بالمستحيل

كنّا شفاها عطشت والتظت
وكان مرآها يروّي الغليل

كنّا ملايين نعاني اللّظى
وظلّها فوق منانا ظليل

وكانت الأحلام تلقي بنا
في كلّ فجر فوق صحو ثقيل

وكم عبرنا نحوها من مدى
الرّيح فيه تلتقي بالأنين

دماء مقتولين من يعرب
تضجّ في أعماق ليل حزين

وموكب يعقبه موكب
من شهداء سقطوا هاتفين

يا صوتها , يا وجهها , يا اسمها
إبقي ضياء يتحدّى السنين

***

وكم بنينا صرحها المشتهى
على تلال الرّمل في أمسنا

وكم حسبنا أنّها قد دنت
منّا فأخفى ضوءها المنحنى

وجه سرابيّ السّنا كم هوى
كلّ رجاء دونه مثخنا

***

من دونها ضعنا فلا زهرة
توقظنا أشذاؤها الساريه

لا نخلة تضحك في أرضنا
لا زارع ينشد لا راعيه

جفّت أراضينا وأشجارنا
وارتحلت أطيارنا باكيه

***

نحن عبرنا كلّ أفق نأى
نبحث عن شذاها الجميل

عن لونها عن روحها عن صدى
منها يدوّي في السكون الثقيل

وانصرمت تلك السنين التي
تاهت خطاها في ضباب العويل

***

واليوم حان الفجر يا أمتّي
فنحن قاربنا حدود الرّجاء

تلالها تبدو وراء المدى
مغرقة في غمرة من ضياء

الوحدة الكبرى دنا ركبها
منّ فيا بشرى الشفاه الظماء

يا فرحة السارين تحت الدجى
قد لاحت الدار وحان اللقاء