عند العشاق - نازك الملائكة

ربما كان في حياة المحبي
ن رجاء أو دفقة من ضياء

ربما كان عندهم ذلك الإك
سير بين الخيال والأهواء

شاطىء الحبّ أيها اللامع الخا
دع هات الحديث عن أبنائك

صف مناهم وبشرهم وأساهم
صف لنا ما اختفى وراء صفائك

صف لنا كيف يعصر العاشق الشو
ق إلى من ينام عن بلواه

كيف يلهو به الخيال فيمضي ال
ليل سهران غارقا في مناه

صف حياة الذي استبدّ به الحب
فخال الحياة جّنة سحر

ومضى فاتحا ذراعيه للنو
ر يصوغ الحياة ديوان شعر

يلثم الزهر في الحقول ويشدو
لليالي الحصاد لحن هواه

راقصا كالفراش للقمر الحل
و خليا من يأسه وأساه

راسما للغد الجميل من الأح
لام ما لا تطيقه الأقدار

سادرا في أوهامه غير دار
أن هذي الحياة هول ونار

في يديه كأس الرحيق يغني
ه على مسمع النهار ويشرب

وعلى ثغره ابتسامة مخدو
ع يغّني له الشقاء فيطرب

ثم يخبو الضياء ذات مساء
ويفيق النشوان بالأوهام

فإذا الحقل ذابل لا زهور
لا فراش لا شيء غير الظلام

أين تلك الأحلام؟ كيف ذوى الحب؟
وأين الوجه الحبيب النضير

يا لغدر الأيام لم تحفظ العه
د لقلب جنى عليه الشعور

وتمرّ الحياة والعاشق المه
جور قلب دام ووجه شاحب

أبدا يرجع الخيال إلى الما
ضي ويبكي على الغرام الذاهب

أبدا يرمق الحياة كئيبا
من وراء الدموع والأحزان

ويراها الذئب الذي ينهش القل
ب ويقسو على الأسى الإنساني

أبدا يسأل الظلام حزينا
شارد الفكر أين ألحان قلبي

أين زهري وأين بلبلي المن
شود؟ ماذا أضاع أحلام حبّي؟

أين تلك التي سكبت عليها
من حياتي ومن فؤادي ولحني

أين تلك العيون تلهم أحلا
مي وتمحو غشاوة الحزن عنّي؟

يا لقلب المسكين تلذعه الذك
رى وتحي غرامه وأساه

هكذا قد قضى عليه كيوبي
د فماذا تفيده شكواه؟

فليجد في الخيال والشعر والذك
رى دواء لحبّه المصدوم

وليقضّ الحياة بين حقول ال
قمح والقطن تحت ضوء النجوم

وليحبّ الغيوم والفجر والنه
ر ويمضي الأيّام بين التلال

يتغّنى فيعشق الزهر موسي
قاه عند الهوى وفوق الجبال

فحياة الخيال أجمل من وا
قع حب ملفّع بالرماد

وهنا يا مصدوم حرّية الرو
ح فماذا يغريك بالأصفاد

سل كيوبيد عن شقاوة صرعا
ه وماذا يلقون من تعذيب

كيف يحيون في جحيم من الشكّ
وليل من الضنى والشحوب

إن قضت بالحرمان أيّامهم عا
شوا حزانى معذبين حيارى

يشتكون الأقدار والزمن العا
تي ويحيون أشقياء أسارى

وإذا ما تحقق الحلم العذ
ب أشاحوا عن سحره كارهينا

ويعود الضياء ليلا دجّيا
وتعود الأزهار شوكا وطينا

هكذا يخمد الغرام وتخبو
شعلة الحب والمنى والحنين

فالسعيد السعيد من دفن الحبّ
وعاش الحياة غير سجين

يا دموع العشّاق قد شبع العا
لم بؤسا فلا تزيدي أساه

قد ملأنا الكون الجميل دموعا
وشبعنا من صمته ودجاه

فانضبي أنت حسبنا شجن العي
ش وبلوى الحياة والأيام

حسب هذي الأرض الكئيبة دمع ال
بائسين الجياع والأيتام

انضبي واطردي خيال كيويب
د وحسب الغرام هذي الضحايا

لن ينال العشّاق يوما سوى أد
مع حبّ حفّت سناه المنايا