قبر ينفجر - نازك الملائكة

ناديت أكداس الرمال : تفجرّي
لن تدفني جسدي النقيّ الثائرا

وهتفت يا روح الممات : تمزّقي
لن تحبسي قلبي الجريء الساخرا

وصرخت بالأرض الدنيئة : إرفعي
من قلب هذا الطين روحي الشاعرا

هذا فؤادي نابضا , هذا دمي
متفجّرا تحت التراب مشاعرا

بالأمس في هذا الظلام دفنتني
تحت الثرى ولففتني بصخوره

لم تسمعي دقّات قلبي في الدجى
وأشحت عن إحساسه وشعوره

لم تفهمي روحي وخلت سكونه
موتا ولم يبلغك رجع هديره

ووهمت أيتها الحياة فلم تري
في أدمعي غير الردى وفتوره

ما نفع أكداس التراب جميعها ؟
ألآن ينفجر التراب الغاصب

الجثة الظمأى التي أودعتها
بالأمس والوجه الكئيب الشاحب

ألآن ينفجران نارا حيّة
ويسابق الإعصار روحي الصاخب

والآن ينبثقان من قلب الثرى
ويعود لي الأمل الجميل الذاهب

ما خلته صخرا إليك وجيبه
ما خلته صمتا إليك نشيده

ألقبر ضجّ وضاق تحت عواطفي
والطين حولي لن أطيق ركوده

هذا الرماد حذار من أعماقه
فوراءه جمر نسيت رعوده

يا من حسبت النار طينا خامدا
ونسيت إعصار الصبا وخلوده

هذي العيون حذار منها إنها
خلف الجفون عميقة أغوارها

هذي العروق حذار من فورانها
فغدا سيصرخ في المدى إعصارها

هذي الشفاه حذار من سكناتها
فغدا ستجتاح المدى أشعارها

هذا الفؤاد حذار من غفواته
فوراء رقدته الحياة ونارها

ناديت أكداس الرمال : تفجرّي
وهتفت يا روح الممات : تمزّقي

وصرخت بالأرض الدنيئة : إرفعي
أسر التراب عن الشباب المرهق

فإذا الحياة مشيحة عن صرختي
لم يأتها نغم اللهيب المحرق

وأنا على صدر التراب تمرّد
حرّ ونار توثّب وتحرّق

لم يبق إلا أن يحطّم ساعدي
هذي القيود وها أنا , هذي يدي ‍

سأفجّر القبر الصغير حجارة
وأطير من أمسي القريب إلى غدي

وسأصرع الموت الضعيف وأنثني
بمخاوفي وسعادتي وتنهدّي

وسأنثر الألحان في صمت الدجى
يا أنجم الليل المضيئة فاشهدي

ناديت أكداس الرمال : تفجرّي
فتفجّرت تحت المساء المظلم

وجمعت أحلامي ومزّقت الثرى
بصفائها ووقفت تحت الأنجم

وفتحت صدري للضياء وسحره
وصرخت بالكون الجميل الملهم

أنا حيّة يا أرض , هذي نغمتي
هذا نشيد فؤادي المتكلّم