رماد - نازك الملائكة

أهكذا داست علينا الحياه
لم تبق منا صدى

لم تبق إلا الندم الأسودا
وصوت واخيبتاه

أليس من كوكبنا الآفل
إيماضة تستعاد ؟

أليس من كوكبنا الآفل
إيماضة تستعاد ؟

أليس عنّا نبأ أو نشيد
أو همسة واحده ؟

ألم تعد قصّتنا البائده
توقظ عرقا جديد ؟

ألم يعد قطّ لنا من مكان
في القصّة الجاريه ؟

أليس في كاساتنا الخاليه
شيء يهمّ الزمان ؟

وذلك الموكب والسائرون
فوق ثرى المنحدر

لم يدركوا أنّ هوانا اندثر
في عمق قبر السكون

ووقع أقدام الهوى الراحله
إلى مكان بعيد

تنقاها الريح فلا تستعيد
ألحانها القافله

ونحن ما زلنا نجرّ الحنين
والأمس والذكريات

أقيادنا مثقلة بالحياة
ونحن في الميّتين

ونحن ما زلنا نسوق الرّماد
لنطعم الموقدا

وأذرع الأحلام ترجو سدى
خلق غد من جماد

وبعث ماض لون أركانه
من مزق الأحلام

أمسى رهيبا تنكر الأيام
عاري جدرانه

أمسى بعيدا تحجب الوديان
أسواره القاتمه

تعيث فيه الهدأة الساهمه
ويحكم النسيان

والريح لم تبق على بابه
حروف أسمائنا

لم تبق حتى وقع أقدامنا
في جوّ محرابه

وربّما طافت به في ذهول
أشباحنا الباكيه

تطوف حول الغرف الخاليه
سدى تريد الدخول

أشباحنا يضلّها الإعصار
تحت غلاف الضّباب

تظلّ ولهى تلطم الأبواب
والحائط المنهار

أشباحنا حافرة في ارتعاد
مقبرة الذكريات

لا صورة تنبض فيها حياة
لا شيء غير الرّماد

تنصت في رعب وفي إعياء
عند السياج الحزين

فلا تعي إلا بقايا أنين
ترسله الأقباء

أشباحنا تستفهم النسيان
عن أمسها الضائع

فلا ترى إلا الردى الجائع
يقوّض البنيان

وأذرع السرو تمدّ الذهول
فوق شحوب الخراب

كأنها تقذف فوق القباب
معنى الردى والذبول

ولفظة واحدة واحده
تكرّرت في المكان

سمعتها تفحّ كالأفعوان
في الشرف البارده

أبصرتها مكتوبة باللهيب
في الغرف الباليه

وفوق ساق السروة العاريه
وفي الفناء الجديب

أحسستها تهمس معنى "مضى"
ملء المساء الكئيب

أبصرتها في كلّ ركن رهيب
أبصرت لفظ " انقضى"

وتلتقي أشباحنا في المساء
باردة واجمه

تنظر في تقطيبة ساهمه
في سورة من غباء

أشباحنا تطلب ماضينا
لا تدرك الأسرار

كيف انقضى ؟ ألم يعد في الدار
صوت ينادينا ؟

أهكذا داست علينا الحياه
لم تبق منا صدى ؟

لم تبق إلا الندم الأسودا
وصوت واخيبتاه ؟