القتلى لا يحييهم الاعتذار - يحيى السماوي
فيمَ اعتذارُك ِ ؟ ما أبقيْت ِ ليْ مُتَعا
                                                                            تغْوي العيونَ بنجم ٍ ضاحك ٍ سَطعا
                                                                    هبي المسرّةُ عادتْ .. وانتهى زَعَل ٌ
                                                                            وأشمستْ ظلمة ..ٌ والودُّ قد رجعا
                                                                    فهلْ يعيدُ لمذبوح ٍ صدى أسَـف ٍ
                                                                            نبضاً ويُعْشِبُ صخرا ً مائج ٌ خدعا ؟ (1)
                                                                    أتيْتُ حقلك ِ ... أستجدي خمائله ُ
                                                                            بعضا من الظل ّ لا الأعناب ِ فامتنعا
                                                                    دخلته ُ ُ وأنا نهــران ِ من فرح
                                                                            تَماهيا فــــي فؤاد ٍ أدْمَنَ الوَرَعا
                                                                    حتى إذا خذَلَ الإعصارُ أشرعتي
                                                                            وفــــزّ نزْف ٌ غفا بالأمسِ وانقطعا
                                                                    رجعْتُ أحمل ُ جثماني ... يُشيّعُني
                                                                            جفنٌ إذا ذكروا أهلَ الهوى دَمَعــا
                                                                    مُقرّحُ الهدب ِلا من جمر ِ أدمُعِهِ
                                                                            ولا السّهاد ِ ... ولكنّ الذي سمعا..؟
                                                                    وكان يمكنــــهُ لولا خلائقــــــهُ
                                                                            قطفَ الزهورِ ورشفَ الشهدِ لو طمعا
                                                                    كبَتْ على شفتي مذبوحة ً لغتي
                                                                            وأجْهشتْ ضحكة ٌ تسْتعْطفُ الهلعا
                                                                    هدمْت ِ كعبة أحلامي ولا سبب ٌ
                                                                            إلا لأنّ فؤادي عندهــــا خشعا
                                                                    طعنْت ِ بدءَ هيامي طفل َ عاطفـتي
                                                                            لا توقظي جرحَهُ الغافي فقد هجعا
                                                                    تركتِني في دروب العشق ِ أغنية ً
                                                                            شهيدة ً وهزاري بعــد ُ ما يفعا (2)
                                                                    مُخضّبٌ بالأسى ما إنْ يُضاحكهُ
                                                                            حقل ُ المسرّة ِ حتى يصطلي وَجَعا
                                                                    سلي ثراك ِ أمثلي نازفٌ مطــرا ؟
                                                                            وناهديك ِ أمثلي مبسم ٌ رضعـا ؟
                                                                    ومقلتيــك ِ أكحْــل ٌ زانَ هدبَهمـا
                                                                            كما فمي؟ وكصدري كان مُنتجعا ؟
                                                                    وساحليكِ ... أمثلي مَرْفأ رَفــِِه ٌ (3)
                                                                            إذا تمرّدَ موج ُ الشوق ِ واندفعـا ؟
                                                                    أطالبٌ إثـرَ وحشـيّ العذاب ِ ردىً
                                                                            فجئتَ تطلـبُ بعد الودّ مصطـــرعا ؟
                                                                    أجلْ سعيتُ إلى حتفي ولا عجـــبٌ
                                                                            فابنُ الملوّح ِ قبلي و"الطريدُ" سعى (4)
                                                                    لثمتُ من شغفي جرحي لأنّ بــــه ِ
                                                                            من ورد ِ كفكِ دفئا في دمي ضَوَعا (5)
                                                                    وما أسفتُ على نزفي ووأد ِ غدي
                                                                            ولا على كبرياء المطمح افتُرِعا (6)
                                                                    لكنْ على نُصْح صدّيقٍ رأى شططا
                                                                            فما أصَخت ِ لقول ٍ يأمـنُ الفَـزَعـا (7)
                                                                    خدعتني؟ لا وربي .. خادعي حلمٌ
                                                                            مُضبّبٌ لامَسَتْه الشمسُ فانقشعا
                                                                    نصحْته ـ لا تبُحْ وجـدا ً لفاتـنـة ٍـ
                                                                            قلبي.. فكنت ُ لهيبي والوقود َ معـا
                                                                    تمخّضتْ عن بكاء ٍضحكة ٌ وغدتْ
                                                                            رزيئة ً نشــوة ٌقدْ أمطرتْْ مُتَعا
                                                                    حجبت شمسكِ عني حين حاصرني
                                                                            بردٌ وأطبـَقَ َدرب ٌ كان مُتّسِعـا
                                                                    ضحيّـــة ٌ أنت ِ ! إلأ أنّ قاتـلها
                                                                            غرورُها ... وأخو الدنيا بما طُبِعا
                                                                    فجهّزي للهـوى غُسْلا ً ومرثية ً ً(8)
                                                                            أمّا أنا ؟ فضياعي جهّزَ الجزعا
                                                                    ______________
                                                                    (1)مائج خادع : السراب
                                                                    (2) يفع : اصبح يافعا
                                                                    (3) رفه : لان عيشه وطاب
                                                                    (4) ابن الملوح قيس العامري والطريد هو توبة الحميري عاشق ليلى الاخيلية
                                                                    (5) ضوع : فاح وانتشر عطره
                                                                    (6) افترع : أهين
                                                                    (7) الشطط : مجانبة الصواب
                                                                    (8) الغسل : ماء تغسيل الميت