أنا ذلك البدوي ( يشقيك يا ليلاي ما يشقيني ) - يحيى السماوي

يشقيك ياليلاي ما يشقيني
منفاي دونك.. والصّبابة دوني

بتنا وقد غرّبت مذبوح الخطى
مسكينة تصبو إلى مسكين

مترقبين بشارة النخل الذي
أضحى سقيم السّعف والعرجون

نخفي إذا اصطخب الضحى آهاتنا
فتنزّ جمراً في ظلام سكون

جف الضياء بمقلتي واستوحشت
أهدابها في الغربتين جفوني

من أين أبتدىء الطريق إذا الضحى
داجٍ وقد سمل الهجير عيوني

ما للضفاف تزمّ دوني جفنها
والريح تأبى أن تريح سفيني

طوت الكهولة والتغرّب خيمتي
ومشت خيول الدهر فوق جبيني

مرّت عجافاً لا تزين صباحها
شمس تضاحك مقلتيّ سنيني

تخشى مؤانستي طيوف أحبّتي
وتغلّ آهاتي صداح لحوني

شيّعت صحني حين شيّع حقلكم
قحط فما عرف الوجاق طحيني

ورغبت عن شمسي لأن نهاركم
مدمىً فما عاد السّنا يغريني

ليلاي ما شرف القطاف إذا استحى
من طين جذر وانكسار غصون

لو كان لي أمر المطاع على المنى
أو كانت الأحلام طوع يقيني

أبدلت بالأضلاع سعف نُخيلة
وبعشب أحداقي حثالة طين

وبرنة القيثار نوح يمامة
وحصير أحبابي بكأس لجين

ما كنت مجنون الشراع.. ولا الهوى
لمّا عبرت السور بالمجنون

أغوى الحداء ربابتي فاستنفرت
أوتارها.. حسب الحداء خديني

أنا ذلك البدوّي.. تحت عباءتي
بستان أشواق ونهر حنين

أنا ذلك البدوّي.. عرضي أمّة
ومكارم الأخلاق وشمُ جبيني

غنيت والنيران تعصف في دمي
عصف اليقين بداجيات ظنون

لكنها الأيام إلا فسحة
منها بحقل كالجنان أمين

ألِفتْ بها روحي الحبور وصاهرت
بيني وبين الدفء والنسرين

ليلاي لو تدرين حالي بعدها
يكفيك أني أشتهي تكفيني

زعم الخيال أن المسرّة من يدي
كقلائد الياقوت من قارون

وَيْحي! متى مدّ السرابُ ضروعه
لمباسم الرّيحان والزيتون

أنا نبت حقل «الضاد» ما لغة الهوى
إن كان عشق الضاد لا يغويني

لم تبقِ لي «الخمسون» غير هنيهة
أتكون ياليلاي دون أنين

إن كان يكفي العاشقين هنيهة
فالدّهر كل الدهر لا يكفيني