حكاية في ليل بهيّ - يحيى السماوي
ليْل ٌ حِجابُك ِ.. حولَ وجْهِكِ قدْ سَجا
                                                                            فعَجِبْتُ إذ ْ جُمِعَ الضيـاءُ مع الدُّجى
                                                                    جَـلسا معـا ً : لـيلٌ وصُبْحٌ مُشـمـِسٌ
                                                                            فكأن ّ بَدْرا ً بـالـظلام ِ تـبَــرَّجــــا..!
                                                                    ومَشـَتْ.. فقلت ُ: ربابَة ٌ تمشي على
                                                                            صدري .. فحُقّ لخافقي أنْ يَهـْزِجا..!
                                                                    وتـَثاقَلتْ في الخطو ِ تفتعِل ُ الضَّنى
                                                                            فودَدْتُ لو كانتْ ضلوعي هَـوْدَجــا
                                                                    لاصَقتها خطوي ... وأجْـلسَـنا معـا ً
                                                                            حظـٌّ مكانا ً في " الشبيكة" مُسْرَجا (1)
                                                                    فاسْـتـنـْفَرَتْ مني بـقـايـا عـاشــق ٍ
                                                                            قدْ كان يـومـا ً بالهُــيـام ِ مُضرَّجــا
                                                                    واسـْتـَنْطقـتـْني فِـتـْنـَة ٌ وحْـشــِـيّـة ٌ
                                                                            ألفـَيْـتُ قلبي نحْــوَهــا مُـسْـتـَدْرَجا
                                                                    نشـَرَتْ سَحابَة َ عِـطـْرِها فتنفـّسَتْ
                                                                            روحي عبيرا ً يسْتبيحُ ذوي الحِجا (2)
                                                                    مـرّتْ لـُحَيْظات ٌ .. وكلٌّ يـَرْتجي
                                                                            مِنْ صَمْتِه ِ نحوَ التحَدُّث ِ مَخـْرَجا
                                                                    حَيّـيْـتـُها ... وزَعـَمـْتُ أني تائـِه ٌ
                                                                            ضلَّ الطريقَ وقدْ أضاعَ المُرتجى
                                                                    ردّتْ بـمِـثـْلِ تحـيّـتي ... لـكـنـّها
                                                                            زادَتْ علــيهـا رِقـّـة ً وتـغـَنـُّجـــا
                                                                    ضَحِكتْ وشعّ العُشبُ في أحداقِها
                                                                            حتى ظننـْتُ اللـيـلَ حقلا ً مـُبْهِـجا
                                                                    واسْتـَظـْرفَتْ آهـا ً يُخالِط ُجَمْرَها
                                                                            مـاءٌ وهَـمـْسا ً كـادَ أنْ يتَهَـدَّجــا
                                                                    سألَ الغريبُ غريبة ًـ قالتْ ـ وقدْ
                                                                            لثغَتْ بـ " راءِ " فم ٍ أذابَ وأثلجا:
                                                                    جئنا إلى حجّ ٍ.. وأوشـكَ جَمْـعُـنا
                                                                            عَوْدا ً... فقدْ شدَّ الركابَ وأرْتجـا
                                                                    أزِفَ الرّحيلُ إلى "الشآم ِ" فأهلنا
                                                                            قـدْ هيّأوا زادا ً لـنا وبـنَـفـْسَـجـا
                                                                    فأجَـبْتُها ـ وفـمي يـكادُ يَفِـرُّ مـنْ
                                                                            وجهي ليسْـكنَ ثغرَها المـُتأرِّجـا (3)
                                                                    شاميّة ٌ ؟ مَلـَكَ القلوبَ جـمالـُكم
                                                                            وكم اسْـتذلّ مُكابـِرا ً ومُـدَجَّجا
                                                                    ما بيننا قـُربى الفرات ِ وجـيرَة ٌ
                                                                            وجذورُ أنْساب وغُرْبَة ُمَنْ شجا
                                                                    للجار ِ حق ٌّ لو عَلِمْت ِ ومثلـُه ُ
                                                                            حقُّ القرابة ِ فلتصوني المنهجا
                                                                    فـّتـَوَهّجَ التـُفـّاحُ فـي وَجَناتِـهـا
                                                                            خجّلا ًفزادَ من الجمال توهُّجا
                                                                    واهْتزّ عصفوران تحتَ عباءةٍ
                                                                            عبثتْ بها ريحُ الصَّبا فترَجْرَجا
                                                                    وعلى مرايا الجيدِ ـ فرْطَ نعومةٍـ
                                                                            نظري إلى النَحْرالمضيء تدحرجا
                                                                    زَمّتْ عباءتها ... وأحسبُ أنها
                                                                            زَمّتْ على عينيَّ جفنا ً أهْوَجـا
                                                                    واسْتَحْكمَتْ شِقَّ القميصِ وأسْدلتْ
                                                                            شالا ً بلون المقـلـتين ِ مُـزجَّجا (4)
                                                                    قالت ـ وكان الفجرُ بِدْءَ طلوعِه ِ:
                                                                            بغـد ٍسنرحلُ قبل ميعاد ِ الـدُُّجى
                                                                    فاطـْرقْ بلادَ الشام ِحيث ُ عشيرتي
                                                                            وأبي إذا كنتُ المُنى والمُرتجى
                                                                    عَـرِّجْ عـلينا لـيلـة ً وصـبيحة ً
                                                                            وارجعْ بقلبي ـ لا يديّ ـ مُتوَّجا
                                                                    أو كنت تلهو فاعْلمَنَّ : قرُنـْفلي
                                                                            يغدو إذا شِئتَ الغِواية َ عَوْسَجا
                                                                    ويصيرُ لفحا ً نفحُ ورد ِ حديقتي
                                                                            ونسـيمُ شطآني لـظىً مُـتأجِّجا
                                                                    عَرِّجْ تجِـدْ أهلا ً وبيتَ محبّـة ٍ
                                                                            قدْ فازَ مَنْ رامَ الحبيبَ فعَرّجا
                                                                    ______________
                                                                    مكة المكرمة
                                                                    (1) الشبيكة : حي من أحياء مدينة مكة المكرمة .
                                                                    (2) الحجا : سداد الرأي
                                                                    (3) المتأرج : الذي به أريج ـ عطر ذكي .
                                                                    (4) مزجج : الخالي من الزوائد ... (المعنى مأخوذ من تزجيج الحواجب بإزالة الشعر الزائد وتقويمها ).